• 28 أيلول 2016
  • 3,928

التواضع :

التواضع هو: (ترك الترؤس،  وكراهية التعظيم، والزيادة في الإكرام، وأن يتجنب الإنسان المباهاة بما فيه من الفضائل، والمفاخرة بالجاه والمال، وأن يتحرز من الإعجاب والكبر) .

قال الله تعالى: "وعبادُ الرّحمن الّذين يمشُون على الأرض هونًا " [الفرقان: 63] قال ابن القيم: (أي سكينة ووقاراً متواضعين غير أشرين ولا مرحين ولا متكبرين

قال الحسن : علماء حلماء وقال محمد بن الحنفية: أصحاب وقار وعفة لا يسفهون وإن سفه عليهم حلموا والهون بالفتح في اللغة: الرفق واللين والهون بالضم: الهوان

فالمفتوح منه: صفة أهل الإيمان والمضموم صفة أهل الكفران وجزاؤهم من الله النيران) .

وقال تعالى مخاطباً رسوله ممتناً عليه وعلى المؤمنين فيما ألان به قلبه على أمته المتبعين لأمره، التاركين لزجره، وأطاب لهم لفظه

(فبما رحمةٍ من اللّه لنت لهُم ولو كُنت فظًّا غليظ القلب لانفضُّوا من حولك فاعفُ عنهُم واستغفر لهُم وشاورهُم في الأمر فإذا عزمت فتوكّل على اللّه إنّ اللّه يُحبُّ المُتوكّلين) [آل عمران: 159] .

كما أمره الله سبحانه وتعالى أن يلين جانبه للمؤمنين وأن يتواضع لهم فقال: (واخفض جناحك للمُؤمنين) [الحجر: 88]

قال القرطبي في تفسير هذه الآية: (أي ألن جانبك لمن آمن بك وتواضع لهم) .

وقال عز من قائل: (واخفض جناحك لمن اتّبعك من المُؤمنين) [الشعراء: 215]

ووصف الله سبحانه وتعالى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بأنهم يظهرون العطف والحنو والتواضع للمؤمنين ويظهرون الشدة والغلظة والترفع على الكافرين

حيث قال:(يا أيُّها الّذين آمنُوا من يرتدّ منكُم عن دينه فسوف يأتي اللّهُ بقومٍ يُحبُّهُم ويُحبُّونهُ أذلّةٍ على المُؤمنين أعزّةٍ على الكافرين) [المائدة: 54]

وقال ابن كثير: (هذه صفات المؤمنين الكُمّل أن يكون أحدهم متواضعًا لأخيه ووليه، متعززًا على خصمه وعدوه، كما قال تعالى: (مُحمّدٌ رسُولُ اللّه والّذين معهُ أشدّاءُ على الكُفّار رُحماءُ بينهُم) [الفتح: 29]) (5)

وقال الله تعالى : (( واخفض لهُما جناح الذُّلّ من الرّحمة وقُل ربّ ارحمهُما كما ربّياني صغيرًا )) [الإسراء: 24] (حيث أمر الله بالتواضع - للوالدين- ذلا لهما ورحمة

واحتسابا للأجر) .

وقال سبحانه: (تلك الدّارُ الآخرةُ نجعلُها للّذين لا يُريدُون عُلُوًّا في الأرض ولا فسادًا والعاقبةُ للمُتّقين) [القصص: 83]

1 - نماذج من تواضع النبي صلى الله عليه وسلم:

روى أبو داود في سننه عن أبي ذر وأبي هريرة قالا: ((كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم يجلس بين ظهري أصحابه فيجيء الغريب فلا يدري أيهم هو حتى يسأل فطلبنا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن نجعل له مجلسا يعرفه الغريب إذا أتاه ... )) (رواه أبو داود (4698)، والنسائي (4991) من حديث أبي ذر وأبي هريرة رضي الله عنهما. وسكت عنه أبو داود، وصححه الألباني في ((صحيح أبي داود)) (4698).

وكان يتفقدهم حتى في الغزوات والمعارك، ومن ذلك ما رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي برزة ((أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان في مغزى له فأفاء الله عليه فقال لأصحابه هل تفقدون من أحد. قالوا نعم فلاناً وفلاناً وفلاناً. ثم قال هل تفقدون من أحد. قالوا نعم فلاناً وفلاناً وفلاناً ،ثم قال هل تفقدون من أحد. قالوا لا. قال لكني أفقد جليبيباً فاطلبوه. فطلب في القتلى فوجدوه إلى جنب سبعة قد قتلهم ثم قتلوه فأتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فوقف عليه فقال: قتل سبعة ثم قتلوه هذا مني وأنا منه هذا مني وأنا منه، قال فوضعه على ساعديه ليس له إلا ساعدا النبي -صلى الله عليه وسلم- قال فحفر له ووضع في قبره.)) (رواه مسلم (2472) من حديث أبي برزة رضي الله عنه).

2 - تواضع أبو بكر الصديق رضي الله عنه:

يحلب للحي أغنامهم:

لما استُخلف - أبو بكر الصديق رضي الله عنه - أصبح غادياً إلى السوق وكان يحلب للحي أغنامهم قبل الخلافة فلما بويع قالت جارية من الحي الآن لا يحلب لنا فقال بلى لأحلبنها لكم وإني لأرجو ألا يغيرني ما دخلت فيه) (((التبصرة)) لابن الجوزي (ص 408).

وكان يقول: (وددت أني شعرة في جنب عبد مؤمن) (رواه أحمد في ((الزهد)) (90) رقم (560)، وذكره ابن الجوزي في ((المنتظم)) (4/ 63) من حديث أبي عمر الجوني رحمه الله.).

قال هذا وهو من المبشرين بالجنة، وهو الصديق العظيم صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخليفته من بعده !!

3 - تواضع عمر رضي الله عنه :

يخلع خفيه ويضعهما على عاتقه ويأخذ بذمام ناقته:

عن طارق بن شهاب، قال: (خرج عمر بن الخطاب إلى الشام ومعنا أبو عبيدة بن الجراح فأتوا على مخاضة وعمر على ناقة له فنزل عنها وخلع خفيه فوضعهما على عاتقه، وأخذ بزمام ناقته فخاض بها المخاضة، فقال أبو عبيدة: يا أمير المؤمنين أنت تفعل هذا، تخلع خفيك وتضعهما على عاتقك، وتأخذ بزمام ناقتك، وتخوض بها المخاضة؟ ما يسرني أن أهل البلد استشرفوك، فقال عمر: أوه لم يقل ذا غيرك أبا عبيدة جعلته نكالاً لأمة محمد صلى الله عليه وسلم إنا كنا أذل قوم فأعزنا الله بالإسلام فمهما نطلب العزة بغير ما أعزنا الله به أذلنا الله) (رواه الحاكم (1/ 130) (207) من حديث طارق بن شهاب رحمه الله. وقال: صحيح على شرط الشيخين. ووافقه الذهبي. وصححه الألباني في ((صحيح الترغيب)) (2893).
يرفع على عاتقه قربة ماء :

وعن عروة بن الزبير رضي الله عنهما قال: (رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه على عاتقه قربة ماء فقلت: يا أمير المؤمنين لا ينبغي لك هذا فقال: لما أتاني الوفود سامعين مطيعين دخلت نفسي نخوة فأردت أن أكسرها) (ذكره القشيري في ((الرسالة القشيرية)) (1/ 279) من حديث عروة بن الزبير رحمه الله.

4 - تواضع عثمان رضي الله عنه :

    يقيل في المسجد وأثر الحصى بجنبه وهو خليفة!!

قال الحسن: (رأيت عثمان بن عفان يقيل في المسجد وهو يومئذ خليفة ويقوم وأثر الحصى بجنبه فنقول هذا أمير المؤمنين هذا أمير المؤمنين) (((التبصرة)) لابن الجوزي (ص 437).).

    يركب على البغلة ويردف عليها غلامه وهو خليفة

عن ميمون بن مهران قال: (أخبرني الهمداني أنه رأى عثمان بن عفان رضي الله عنه على بغلة، وخلفه عليها غلامه نائل وهو خليفة) (((الزهد)) لأحمد (ص158).).

5 - تواضع علي رضي الله عنه :

    يلبس الإزار المرقوع ليقتدي به المؤمن ويخشع به القلب:

عن عمرو بن قيس الملائي عن رجل منهم قال: (رئي على علي بن أبي طالب إزار مرقوع فقيل له تلبس المرقوع فقال يقتدي به المؤمن ويخشع به القلب) (((الزهد)) لهناد بن السري (2/ 368)

(وأنه رضي الله عنه قد اشترى لحما بدرهم فحمله في ملحفته فقيل له نحمل عنك يا أمير المؤمنين فقال لا أبو العيال أحق أن يحمل) (((إحياء علوم الدين)) للغزالي (2/ 368).

مقالات ذات صلة :