• 8 نيسان 2017
  • 6,680

سلسلة من نحب - الصالحين – (9) -سيدنا الإمام ابن ماجة رضي الله عنه :

فصل – الإمام ابن ماجة :

حديثنا اليوم عن أبي عبد الله بن ماجه محمد بن يزيد القزويني ولد سنة تسع ومائتين من الهجرة أي في القرن الثالث الهجري وقد ذكرنا مراراً قول النبي ﷺ: "خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم".

وابن ماجة أو ابن ماجه هو في القرن الثالث المفضَّل الذي ذكره النبي ﷺ ووصفه بالخيرية. ابن ماجه وابن ماجة، الصحيح أنه بالهاء "ابن ماجه" يكتب بالهاء وليس بالتاء المربوطة وإنما بالهاء. وماجه الأشهر أنه لقب لأبيه. هو من قزوين وماجه لقب لأبيه فيقال له محمد بن يزيد القزويني ويقال له "ابن ماجه"، ف "ماجه" لقب لأبيه.

وهناك قول آخر أن ماجه اسم أمه، أمه اسمها "ماجه"، وينسب إليها، فيقال له ابن ماجه، محمد بن ماجه نسبة إلى أمه كما هو الحارث بن تيمية نسبة إلى إحدى جداته، وعبد الله بن بحينة نسبة إلى أمه، وإسماعيل بن علية نسبة إلى أمه، وعبد الله بن لهيعة نسبة إلى أمه وهكذا. فيكون هنا "ابن ماجه" نسبة إلى أمه. والمشهور أنه نسبة إلى أبيه، وأن "ماجه" لقب لأبيه "يزيد"، فأبوه اسمه "يزيد" ولقبه "ماجه" فيقال له "محمد بن يزيد"، ويقال له "محمد بن ماجه".

ابن ماجه - رحمه الله تعالى - ليس بدعاً من أهل العلم فهو كسائر أقرانه من العلماء في بداية الطلب حيث رحل وطاف كثيراً من البلاد في جمع سنة النبي ﷺ. فرحل إلى مكة والمدينة وإلى بغداد والكوفة والبصرة والشام ومصر والري وخراسان وغيرها من البلاد تطوافا في طلب حديث النبي ﷺ.

وكثرت شيوخه وكثر تلاميذه والآخذون عنه، ولكن ابن ماجه في الوقت ذاته لم ينل من الشهرة ما نال أقرانه كأبي داود والترمذي والنسائي فضلاً عن مسلم والبخاري وأحمد ومالك. فهو عندما يترجم أهل العلم له لا يذكرون له ما يذكرونه لأولئك. وذلك لأنهم - أي أهل العلم الذين يترجمون - لم يجدوا لابن ماجه من الآثار كما وجدوا لأولئك، ولم يجدوا له من العلم كما وجدوا لأولئك. بل فاق السبعة الذين ذكرناهم ابن ماجه - رحمهم الله جميعاً - فاقوه علماً وفضلاً وأثراً ولذلك ذكر بعض أهل العلم أن أول مَنْ ذكر ابن ماجه مع الكتب الخمسة جعله سادساً لها هو محمد بن طاهر المقدسي في "شروط العلم الستة"، وتبعه على ذلك عبد الغني المقدسي في كتابه "الكمال في أسماء الرجال"، فأدخل رجال ابن ماجه مع رجال الكتب الخمسة.

تتلمذ على كثير من الشيوخ منهم: على بن محمد الطنافسي، وأبي بكر بن أبي شيبة، وعثمان بن أبي شيبة، ومصعب الزبيري. وتتلمذ على يده كذلك كثيرٌ أيضاً من الطلبة والمريدين منهم: محمد بن عيسى الأبهري، وعلى بن إبراهيم القطان، وأحمد البغدادي، أحمد بن موح البغدادي، وغيرهم من طلبة العلم في ذلك الوقت.

قال الخليلي عن ابن ماجه: "ثقة كبير متفق عليه محتجّ به له معرفة بالحديث والحفظ"، هناك عندما يقول عن أبي داود والترمذي والنسائي يقول إمامٌ في الحفظ،، إمام في الحديث. له "المنتهي" وما شابه ذلك، بينما ابن ماجه يقول: "له عناية بالحديث، وله حفظ"، وكذلك يقول عنه الذهبي: "الحافظ الكبير الحُجّة المفسر".

 

فصل – علم الإمام ابن ماجة :

وذلك أن ابن ماجه - رحمه الله تعالى - اشتهر بثلاثة علوم.

- بعلم الحديث وهو حديثنا عنه وسبب كلامنا عنه هو علم الحديث الذي اشتهر به وهو أشهر العلوم التي تميز بها.

- وله أيضاً علم في التفسير وله كتاب في التفسير لكنه غير مطبوع.

- وله كذلك كتاب في التاريخ من عهد الصحابة رضي الله عنهم يعني سيرة النبي ﷺ لكنه أيضاً غير موجود وقد أثني عليه بعض أهل العلم كالحافظ بن كثير، والحافظ الذهبي وغيرهما.

كان يقال لابن ماجه "مُحدِّث قزوين"، أي بلده قزوين هو محدثها ومفسرها، يعني إليه يرجع أهل العلم في قزوين في الحديث والتفسير.

قال عنه يحيى بن زكريا عندما توفي قال: "أيا قبر ابن ماجه غث قطراً مساءاً بالغداة وبالعشي"، فهذا هو ابن ماجه - رحمه الله تبارك وتعالى -، وتوفي سنة ثلاث وثمانين ومائتين من الهجرة.

 

فصل – كتاب سنن ابن ماجه :

أما كتابه وهو حديثنا "سنن ابن ماجه"

أولاً هذا الكتاب مرتب على أبواب الفقه كسائر الكتب الستة رُتِّب على أبواب الفقه، وكانت الكتب في ذلك الوقت مشهورة عند أهل العلم بالكتب الخمسة: البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي، ولم يكن أهل العلم في ذلك الوقت يقولون الكتب الستة، وإنما كانوا يقولون الكتب الخمسة.

فأول من أدخل "سنن ابن ماجه" مع الكتب الخمسة هو محمد بن طاهر المقدسي حيث ألف رسالة في شروط الأئمة الستة، فوضع شروط البخاري وشروط مسلم وشروط الترمذي والنسائي وأبي داود ووضع أيضاً شروط ابن ماجه فاشترك مع الخمسة. ثم جاء عبد الغني المقدسي - رحمه الله تعالى - فصنف كتاباً في رجال الكتب الستة سماه "الكمال في أسماء الرجال" وجمع فيه رجال البخاري ومسلم وأبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه.

ومنذ ذلك الوقت، أي منذ صنيع محمد بن طاهر المقدسي وصنيع عبد الغني المقدسي، منذ ذلك الوقت صار ابن ماجه تابعاً لهذه الكتب، وصار كتابه يُذكر مع هذه الكتب. مع أن هناك من الكتب ك"سنن الدارمي"، أو "موطأ مالك"، أو "مسند أحمد" أولى بالدخول مع هذه الكتب من "سنن ابن ماجه". ولكن هكذا صنع ابن طاهر وهكذا صنع عبد الغني - رحمهما الله تبارك وتعالى - فأدخلوا "سنن ابن ماجه" مع الكتب الخمسة فصارت يُقرأ عليها بعد ذلك الكتب الستة.

ولذلك قال الحافظ بن حجر - رحمه الله تعالى - عن كتاب "السنن". قال: "كتابه في السنن جامع جيد كثير الأبواب والغرائب وفيه أحاديث ضعيفة جداً"، وقال المذّي، المذّي هو شيخ ابن تيمية والذهبي وابن كثير في الحديث، قال المذّي: "كل ما انفرد به ابن ماجه فهو ضعيف"، يعني انفرد به عن الكتب الخمسة. يعني هناك أحاديث مثلاً حديث النبي ﷺ: "إنما الأعمال بالنيات". هذا الحديث موجود عند الستة أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه. فهذا يقال له كتاب اتفقوا على إخراجه، يأتينا حديث آخر مثلاً "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه"، هذا أخرجه البخاري وأبو داود والترمذي، يأتينا حديث ثالث مثلاً قول النبي ﷺ "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت" فيخرجه البخاري ومسلم وابو داود وابن ماجه وهكذا.

نأتي لتقسيم هذه الأحاديث. قام الشيخ محمد فؤاد عبد الباقي - رحمه الله تبارك وتعالى - وهذا الرجل - رحمه الله تعالى - له عناية بالكتب الستة وبكتب الحديث عامة، وبالكتب الستة خاصة. هذا الرجل - رحمه الله تعالى - اعتنى بكتب الحديث عناية عظيمة. ذكرت حفيدته عنه أو ابنته، أنسيت أنا الآن، أظنها ابنته، ذكرت عنه أنه كان يصوم الدهر، لا يفطر إلا يومين في السنة، وهما يوم العيد، وكان لا يخرج من بيته، عاكفاً على الكتب، لا يخرج إلا لصلاة الجمعة، حتى الصلاة صلها في البيت - رحمه الله تعالى - وكان عاكفاً لا يخرج إلا لصلاة الجمعة، ويخرج مبكراً لأنه يزور أخته قبل الصلاة ثم يصلي الجمعة، ثم يذهب إلى الدكان ويشتري ستة علب من الباقلاء، أو البازلاء، أو غيرها، ويرجع إلى بيته، و كل يوم يأكل واحدة ويعمل في الكتب. هذا الرجل - رحمه الله تعال - وهو محمد فؤاد عبد الباقي، له نشاط عظيم، له في صحيح مسلم، والبخاري، وأيضاً في الترمذي، وله في موطأ مالك، وله في سنن ابن ماجه، فرحمه الله رحمة واسعة.

خُدم "سنن ابن ماجه" - رحمه الله تعالى - في كتاب "مصباح الزجاجة" للسيوطي، وهناك كتاب آخر أيضاً "مصباح الزجاجة" للبوصيري، وكذلك "الديباجة" للدميري خدم فيها "سنن ابن ماجه".

وتوفي - رحمه الله تعالى - سنة ثلاث وثمانين ومائتين من الهجرة. هذا فيما يخص الإمام ابن ماجه - رحمه الله تبارك وتعالى -.

مقالات ذات صلة :