• 4 تموز 2016
  • 7,856

المعجزة البلاغية في القرآن الكريم – صور مشرقة من إسلام الصحابة بعد الاستماع لآيات القرآن

من كتاب : الإعجاز البياني للقرآن ومسائل ابن الأزرق .

تأليف : عائشة محمد علي عبد الرحمن المعروفة ببنت الشاطئ (رحمها الله تعالى)

 

من فجر المبعث، فرض القرآن إعجازه على كل من سمعوه من العرب على تفاوت مراتبهم في البلاغة، وقد تحير المشركون في وصفه، وحرصوا على أن يصدوا العرب عن سماعه، عن يقين بأنه ما من عربي يخطئه أن يميز بين هذا القرآن، وقول البشر.

 

قضية الإعجاز البياني بدأت تفرض وجودها على العرب من أول المبعث ، فمنذ تلا المصطفى عليه الصلاة والسلام في قومه ما تلقى من كلمات ربه ، أدركت قريش ما لهذا البيان القرآني من إعجاز لا يملك أي عربي يجد حسّ لغته وذوقها الأصيل، سليقة وطبعًا، إلا أن يُسلّم بأنه ليس من قول البشر.

من هنا كان حرص طواغيت الوثنية من قريش، على أن يحولوا بين العرب وبين سماع هذا القرآن. فكانوا إذا دنا الموسم وآن وفود قبائل العرب للحج، ترصدوا لها عند مداخل مكة، وأخذوا بسبل الناس لا يمر بهم أحد إلا حذروه من الإصغاء إلى ما جاء به "محمد بن عبد الله" من كلام قالوا إنه السحر يفرق بين المرء وأبيه وأخيه، وبين المرء وزوجه وولده وعشيرته، وربما وصلت آيات منه إلى سمع أشدهم عداوة للإسلام، فألقى سلاحه مصدقا ومبايعًا، عن يقين بأن مثل هذه الآيات ليست من قول البشر.

* حدثوا أن عمر بن الخطاب خرج ذات مساء متوشحاً سيفه يريد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ورهطاً من أصحابه في بيتٍ عند الصفا سمع أنهم مجتمعون فيه، فلقيه في الطريق من سأله:

- أين تريد يا عمر؟

أجاب: أريد محمدًا هذا الصابئ الذى فرق أمر قريش وسفه أحلامها وعاب دينها وسبّ آلهتها، فأقتله.

قال له محدثه :

- غرتك نفسك يا عمر! أترى بنى عبد مناف تاركيك تمشى على الأرض وقد قتلت محمدًا، أفلا ترجع إلى أهل بيتك فتقيم أمرهم ..

سأله عمر(وقد رابه ما سمع ) :

- أيّ أهل بيتي تعنى ؟

فأخبره أن صهره وابن عمه "سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل " قد أسلم ، وكذلك أسلمت زوجه، أخت عمر "فاطمة بنت الخطاب ".

فأخذ عمر طريقه إلى بيت صهره مستثار الغضب، يريد أن يقتله ويقتل زوجه فاطمة.

فما كاد يدنو من الباب حتى سمع تلاوة خافتة لآيات من سورة طه، فدخل يلح في طلب الصحيفة التي لمح أخته تخفيها عند دخوله. . .

وانطلق من فوره إلى البيت الذى اجتمع فيه المصطفى - صلى الله عليه وسلم - بأصحابه، فبايعه.

وأعز الله الإسلام بعمر، وقد كان من أشد قريش عداوة للإسلام.

* وفي حديث بيعة العقبة، أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - ندب صاحبه مصعب بن عمير ليذهب مع أصحاب العقبة إلى يثرب، ليقُرئهم القرآن ويعلمهم الإسلام ، فنزل هناك على أسعد بن زرارة الأنصارى الخزرجى، فحدث أن خرجا يومًا إلى حي بني عبد الأشهل على رجاء أن يسلم بعض القوم، فلما سمع كبيرا الحيّ سعد بن معاذ، وأسيد بن حضير بمقدم مصعب وأسعد، ضاقا بهما وأنكرا موضعهما من الحي .

قال سعد بن معاذ لصاحبه أسيد بن حضير:

لا أبا لك! انطلق إلى هذين الرجلين فازجرهما وانههما عن أن يأتيا ديارنا، فإنه لولا أن أسد بن زرارة مني حيث علمت، كفيتك ذلك: هو ابن خالتي ولا أجد عليه مقدماً .

والتقط أسيد بن حضير حربته ومضى إلى صاحبيّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فزجرهما متوعداً :

- ما جاء بكما إلينا تسفهان ضعفاءنا ؟، اعتزلانا إن كانت لكما بنفسيكما حاجة (أي لا تريدان الموت).

قال له مصعب بن عمير(رضي الله عنه):

- أو تجلس فتسمع، فإن رضيت أمراً قبلته، وإن كرهته كُفّ عنك ما تكره.

فركز أسيد حربته واتكأ عليها يصغي إلى ما يتلو مصعب من القرآن ، ثم أعلن إسلامه من فوره، وعاد إلى قومه فعرفوا أنه جاء بغير الوجه الذى ذهب به.

وما زال أسيد بسعد بن معاذ حتى صحبه إلى ابن خالته أسعد بن زرارة فبادره سعد سائلاً في غضب وإنكار:

"يا أبا أمامة، لولا ما بيني وبينك من القرابة ما رُمت هذا مني. أتغشانا في دارنا بما نكره،!

ولم يجب أبو أمامة، بل أشار إلى صاحبه مصعب الذى استمهل سعد بن معاذ حتى يسمع منه، ثم تلا آيات من القرآن، نفذت إلى قلب ابن معاذ فمزقت عنه حجب الغفلة وغشاوة الضلال ، فأعلن إسلامه وعاد إلى قومه .

فسألهم: يا بنى عبد الأشهل، كيف تعلمون أمرى فيكم ؟

أجابوا جميعًا: سيدنا، وأفضلنا رأيا، وأيمننا نقيبة.

فعرض عليهم الإسلام  ، فو الله ما أمسى في حي بنى عبد الأشهل رجل أو امرأة إلا مسلماً ومسلمة .

* وفي ترجمة الصحابي جبير بن مطعم بن عدى القرشى - رضي الله عنه - ،  أنه أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بعض أسارى بدر، وجبير وقتئذ مشرك، فدخل على المصطفى - صلى الله عليه وسلم - وهو يقرأ في المغرب بسورة الطور، فلما انتهى - صلى الله عليه وسلم - إلى آيات منها، كاد قلب جبير يطير، ومال إلى الإسلام.

* وفى حديث العقبة الأولى أن وفد الخزرج أسلموا بمجرد أن تلا عليهم المصطفى عليه الصلاة والسلام، آيات من القرآن، وأقام مصعب بن عمير القرشي سنة في يثرب يقرأ القرآن فلم يبق بيت من بيوت الأنصار إلا وفيه قرآن، فكان أن فتحت يثرب بالقرآن، قبل الهجرة بسنتين.

لقد فرض القرآن إعجازه على هؤلاء الذين استنارت بصائرهم فآمنوا بالمعجزة القرآنية بمجرد سماعهم آيات منها، دون غيرهم ممن لجوا في العناد والتكذيب .

 

مقالات ذات صلة :