• 3 أيلول 2016
  • 20,186

التعاون :

معنى التعاون لغة:

العون: الظهير على الأمر ، وأعانه على الشيء: ساعده، واستعان فلان فلانا وبه طلب منه العون،وتعاون القوم أعان بعضهم بعضًا، والمعوان: الحسن المعونة للناس، أو كثيرها .

معنى التعاون اصطلاحاً: هو المساعدة على الحق ابتغاء الأجر من الله سبحانه .

ومن الألفاظ المترادفة في التعاون يقولون: (شد على يديه، وأجازه، وأيده، وأمده، وهو في حرمته، وفي جواره، وفي خفارته، ظافره، وصانعه، ومالأه)

    قال الله تعالى: (( والعصر إنّ الإنسان لفي خُسرٍ إلاّ الّذين آمنُوا وعملُوا الصّالحات وتواصوا بالحقّ وتواصوا بالصّبر )) [العصر:1 - 3].

وقال السعدي: (والتواصي بالحق، الذي هو الإيمان والعمل الصالح، أي: يوصي بعضهم بعضًا بذلك، ويحثه عليه، ويرغبه فيه) .

- وقال الله تعالى : (( يا أيُّها الّذين آمنُوا لا تُحلُّوا شعآئر الله ولا الشّهر الحرام ولا الهدي ولا القلآئد ولا آمّين البيت الحرام يبتغُون فضلاً مّن رّبّهم ورضوانًا وإذا حللتُم فاصطادُوا ولا يجرمنّكُم شنآنُ قومٍ أن صدُّوكُم عن المسجد الحرام أن تعتدُوا وتعاونُوا على البرّ والتّقوى ولا تعاونُوا على الإثم والعُدوان واتّقُوا الله إنّ الله شديدُ العقاب))  [المائدة: 2].

قال ابن كثير (يأمر تعالى عباده المؤمنين بالمعاونة على فعل الخيرات، وهو البر، وترك المنكرات وهو التقوى، وينهاهم عن التناصر على الباطل والتعاون على المآثم والمحارم).

وقال القرطبي: (وهو أمرٌ لجميع الخلق بالتعاون على البر والتقوى، أي ليعن بعضكم بعضًا، وتحاثوا على ما أمر الله تعالى واعملوا به، وانتهوا عما نهى الله عنه وامتنعوا منه، وهذا موافقٌ لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((الدال على الخير كفاعله)) (رواه الترمذي (2670)، والضياء في ((الأحاديث المختارة)) (6/ 184) (2193). من حديث أنس رضي الله عنه. بلفظ: ((أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل يستحمله فلم يجد عنده ما يتحمله فدله على آخر فحمله فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال الدال على الخير كفاعله)). قال الترمذي: غريب من هذا الوجه، وقال الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)): حسن صحيح. ورواه البزار كما في ((مجمع الزوائد)) للهيثمي (3/ 140)، وأبو يعلى في ((المسند)) (7/ 275) (4296)، والمنذري في ((الترغيب والترهيب)) (1/ 69). من حديث أنس رضي الله عنه. بلفظ: ((الدال على الخير كفاعله والله يحب إغاثة اللهفان)). قال المنذري: رواه البزار من رواية زياد بن عبد الله النميري وقد وثق وله شواهد، وقال الهيثمي: رواه البزار وفيه زياد النميري وثقه ابن حبان وقال: يخطئ وابن عدي وضعفه جماعة وبقية رجاله ثقات. ورواه أبو يعلى كذلك، وصححه الألباني في ((سلسلة الأحاديث الصحيحة)) (1660). والحديث روي من طرق عن أبي مسعود البدري، وابن مسعود، وسهل بن سعد، وبريدة بن الحصيب، وأنس بن مالك، وابن عباس، وعبدالله بن عمر رضي الله عنهم.

وقال الماوردي: ندب الله سبحانه إلى التعاون بالبر وقرنه بالتقوى له، لأن في التقوى رضا الله تعالى، وفي البر رضا الناس، ومن جمع بين رضا الله تعالى ورضا الناس فقد تمت سعادته وعمت نعمته) .

    وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على التعاون ودعا إليه فقال: ((من كان معه فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له، ومن كان له فضل من زاد فليعد به على من لا زاد له)) (رواه مسلم (1728).
    وشبه المؤمنين في اتحادهم وتعاونهم بالجسد الواحد فقال: ((مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد؛ إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)) (رواه البخاري (6011)، ومسلم (2586) واللفظ له).
    وقال صلى الله عليه وسلم: ((المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا)) (رواه البخاري (481) ومسلم (2585).
    وقال صلى الله عليه وسلم: ((يد الله مع الجماعة)) (رواه الترمذي (2166). من حديث ابن عباس رضي الله عنه. قال الترمذي: حسن غريب، وقال ابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (5/ 28): وإن لم يكن لفظه صحيحا فإن معناه صحيح، وحسنه السفاريني في ((شرح كتاب الشهاب)) (315)، وقال المباركفوري في ((تحفة الأحوذي)) (6/ 16): رواته كلهم ثقات [وله ما] يؤيده، وصححه الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) والوادعي في ((الصحيح المسند)). والحديث روي من طرق عن ابن عمر وعرفجة الأشجعي رضي الله عنهم.
    وحث على معونة الخدم ومساعدتهم، فقال: ((ولا تكلفوهم ما يغلبهم فإن كلفتموهم فأعينوهم)) (رواه البخاري (31) ومسلم (1661)).

نماذج تطبيقية في التعاون :

    أمر الله سبحانه وتعالى إبراهيم -عليه السلام- ببناء الكعبة، فقام إبراهيم -عليه السلام- استجابة لأمر الله، وطلب من ابنه إسماعيل أن يساعده على تنفيذ هذا الأمر الإلهي، ويعينه في بناء الكعبة، فقال له: ((يا إسماعيل؛ إن الله أمرني بأمرٍ، قال: فاصنع ما أمرك ربك، قال: وتعينني؟ قال: وأعينك، قال: فإن الله أمرني أن أبني ها هنا بيتًا، وأشار إلى أكمةٍ مرتفعةٍ على ما حولها، قال: فعند ذلك رفعا القواعد من البيت، فجعل إسماعيل يأتي بالحجارة وإبراهيم يبني، حتى إذا ارتفع البناء، جاء بهذا الحجر فوضعه له فقام عليه، وهو يبني وإسماعيل يناوله الحجارة، وهما يقولان: ربّنا تقبّل منّا إنّك أنت السّميعُ العليمُ [البقرة: 127]، قال: فجعلا يبنيان حتى يدورا حول البيت وهما يقولان: ربّنا تقبّل منّا إنّك أنت السّميعُ العليمُ [البقرة:127])) (رواه البخاري (3364).
    عندما أرسل الله سبحانه وتعالى موسى عليه السلام إلى فرعون وكلفه بأن يدعو فرعون إلى عبادة الله وحده، طلب موسى عليه السلام من ربه سبحانه وتعالى المعين والمساعد على هذا الأمر العظيم، فطلب منه أن يجعل له أخاه هارون معاوناً ومساعداً في دعوته فرعون، فقال: واجعل لّي وزيرًا مّن أهلي هارُون أخي اشدُد به أزري وأشركهُ في أمري [طه:29 - 32] فقال الله له: قال قد أُوتيت سُؤلك يا مُوسى [طه: 36]، وجعل هارون معاوناً ومساعداً لموسى عليه السلام في دعوته إلى الله، وآتاه النبوة استجابة لدعوة موسى، فباتحادهم وتعاونهم مكنهم الله من النصر على فرعون وجنوده .
    التعاون بين ذو القرنين وأصحاب السد:

(لقد مكن الله عز وجل لذي القرنين في الأرض، وآتاه من كل شيء سبباً، فتوفرت القدرة والسلطة، وتهيأت أمامه أسباب القوة والنفوذ التي لم تتوفر لكثير غيره .. ويسألُونك عن ذي القرنين قُل سأتلُو عليكُم مّنهُ ذكرًا إنّا مكّنّا لهُ في الأرض وآتيناهُ من كُلّ شيءٍ سببًا [الكهف:83 - 84]، ومع ذلك لم يستغن ذو القرنين عن معونة الآخرين حينما أراد أن يقوم بعمل كبير، وإنجاز عظيم: حتّى إذا بلغ بين السّدّين وجد من دُونهما قومًا لاّ يكادُون يفقهُون قولاً قالُوا يا ذا القرنين إنّ يأجُوج ومأجُوج مُفسدُون في الأرض فهل نجعلُ لك خرجًا على أن تجعل بيننا وبينهُم سدًّا [الكهف: 93 - 94]، فصارحهم ذو القرنين بأن مثل هذا العمل الضخم يحتاج إلى التعاون، ولا يتم دونه؛ فقال: ما مكّنّي فيه ربّي خيرٌ فأعينُوني بقُوّةٍ أجعل بينكُم وبينهُم ردمًا [الكهف: 95] ... الآيات، فماذا كانت نتيجة هذا التعاون العظيم؟ كانت نتيجته إتمام عمل عظيم، سد منيع، لا يستطيع مهاجموه أن يعلو ظهره، ولا أن يحدثوا فيه خرقاً .. والدرس الذي نخرج به أن التعاون إذا أخلص له أهلوه، وبذلوا فيه بصدق ما استطاعوا حقق لهم من النتائج ما يكفي ويشفي)

    كان النبي صلى الله عليه وسلم يسعى لقضاء حوائج المسلمين ويحب إعانتهم والوقوف معهم فيما يلم بهم من نوازل، وكان مجبولاً على ذلك من صغره وقبل بعثته، وقد بينت ذلك أمنا خديجة رضي الله عنها عندما كانت تخفف من روع النبي صلى الله عليه وسلم عند عودته من غار حراء بعد نزول الوحي عليه، وكان فزعاً، فقالت له: (كلا والله ما يخزيك الله أبدًا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق) (رواه البخاري (3) ومسلم (160). واللفظ للبخاري).
    وعن عائشة- رضي الله عنها- قالت: ((كان النبي صلى الله عليه وسلم يكون في مهنة أهله فإذا حضرت الصلاة قام إلى الصلاة)) (رواه البخاري (6039).
    وعن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- قال: ((كان النبي صلى الله عليه وسلم ينقل التراب يوم الخندق حتى أغمر بطنه أو أغبر بطنه يقول:

والله لولا الله ما اهتدينا ... ولا تصدقنا ولا صلينا

فأنزلن سكينة علينا ... وثبت الأقدام إن لاقينا

إن الألى قد بغوا علينا ... إذا أرادوا فتنة أبينا

ويرفع بها صوته: أبينا أبينا)) (رواه البخاري (4104) ومسلم (1803)، واللفظ للبخاري).

    ينقل لنا الصحابي الجليل أنس بن مالك رضي الله عنه صورة من تعاون الصحابة وتكاتفهم في حفر الخندق، فيقول: ((جعل المهاجرون والأنصار يحفرون الخندق حول المدينة، وينقلون التراب على متونهم، ويقولون:

نحن الذين بايعوا محمدا ... على الإسلام ما بقينا أبدا

والنبي صلى الله عليه وسلم يجيبهم ويقول:

اللهم إنه لا خير إلا خير الآخرة ... فبارك في الأنصار والمهاجرة)) (رواه البخاري (2835).

    تعاون أبي بكر وأهل بيته مع النبي صلى الله عليه وسلم في هجرته:

 جهز أبو بكر راحلتين عندما أعلمه النبي صلى الله عليه وسلم بالهجرة، وخاطر بنفسه وهاجر مع النبي صلى الله عليه وسلم، وعندما وصلا غار ثور دخل أبو بكر أولاً ليستبرأ الغار للنبي صلى الله عليه وسلم كي لا يصيبه أذى، وأعدت أسماء بنت أبي بكر لهما جهاز السفر، وكان عبد الله بن أبي بكر يأتي لهما بأخبار قريش، وعامر بن فهيرة مولى أبي بكر يريح الغنم عليهما وهما في الغار ليشربا من لبنها، وفي طريقهما إلى المدينة كان أبو بكر إذا طلب قريش للرسول صلى الله عليه وسلم مشى خلفه، وإذا تذكر رصدها له مشى أمامه (رواه البخاري (3905).

    تعاون الصحابة رضوان الله عليهم في بناء مسجد النبي صلى الله عليه وسلم:

عندما قال النبي صلى الله عليه وسلم لبني النجار: ((يا بني النجار ثامنوني بحائطكم هذا، قالوا: لا والله لا نطلب ثمنه إلا إلى الله، فقال أنسٌ: فكان فيه ما أقول لكم قبور المشركين، وفيه خربٌ وفيه نخلٌ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقبور المشركين، فنبشت، ثم بالخرب فسويت، وبالنخل فقطع، فصفوا النخل قبلة المسجد وجعلوا عضادتيه الحجارة، وجعلوا ينقلون الصخر وهم يرتجزون والنبي صلى الله عليه وسلم معهم، وهو يقول: اللهم لا خير إلا خير الآخرة فاغفر للأنصار والمهاجرة)) (رواه البخاري (428)، ومسلم (524).

    تعاون الأنصار مع المهاجرين بعد الهجرة:

قال عبد الرحمن بن عوف- رضي الله عنه- ((آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم، بيني وبين سعد بن الربيع، فقال لي سعد: إني أكثر الأنصار مالا، فأقاسمك مالي شطرين، ولي امرأتان، فانظر أيتهما شئت حتى أنزل لك عنها، فإذا حلت تزوجتها، فقلت: لا حاجة لي في ذلك، دلوني على السوق، فدلوني على سوق بني قينقاع، فما رحت حتى استفضلت أقطاً وسمناً)) (رواه البخاري (2048)).

    وقالت الأنصار للنبي صلى الله عليه وسلم: ((اقسم بيننا وبينهم النخل، قال: لا. قال: يكفوننا المئونة ويشركوننا في التمر. قالوا: سمعنا وأطعنا)) (رواه البخاري (3782).

مقالات ذات صلة :