• 7 نيسان 2017
  • 3,727

سلسلة من نحب - الصالحين (4) سيدنا زين العابدين رضي الله عنه :

المقدمة

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيات أعمالنا من يهده الله فهو المهتدي، ومن يضلله فلن تجد له ولياً مرشدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

 

فصل – نسبه :

اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم، هذه الكلمة الطيبة نرددها في صلاتنا دائماً، نقول: اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم، وفي رواية أن النبي ﷺ  قال: اللهم صلّ على محمد وعلى أزواجه وذريته. هذه الذرية الطيبة، ذرية محمد ﷺ  قد حُسمت وذلك، أن هذا النبي الكريم، صلوات ربي وسلامه عليه، قد رُزق سبعة من الأولاد، أربعة من الإناث، وثلاث من الذكور، أما الذكور فكلهم ماتوا صغاراً، وأما الإناث فتزوجن، وأنجبن. فالكبرى زينب وأنجبت أمامة، وتزوجها علي بن أبي طالب بعد وفاة فاطمة، وانقطع نسلها، وكذلك أنجبت زينب: عبد الله ، ومات صغيراً وانقطع نسله. وأما رقية فماتت ولم تنجب. وأما أم كلثوم فأنجبت صبياً وبنتاً وماتا صغاراً، وانقطع نسلها.

وبقيت فاطمة، فأنجبت من عليٍّ أربعة: الحسن، والحسين، وزينب، وأم كلثوم. فأما أم كلثوم فتزوجت من عمر بن الخطاب، ثم أنجبت منه ولدين وماتا صغيرين، وأما زينب فتزوجت عبد الله بن جعفر ثم كذلك انقطع نسلها. ولم يبقى للنبي نسل إلا من الحسن والحسين فقط.

فكل من ادّعى أنه من ذرية النبي ﷺ  أو أن رسول الله جده، صلوات ربي وسلامه عليه لا بد أن يرجع إلى الحسن، أو إلى الحسين، ابني علي ابنا فاطمة.

وحديثنا في هذا اليوم عن: واحد من ذرية الحسين، وهو: زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وكل ذرية الحسين ترجع إلى عليّ بن الحسين لأن أولاد الحسين كلهم ماتوا، ولم يبقى من ذريته إلا علي بن الحسين فكل من ينتسب إلى الحسين لا بد أن يرجع إلى عليّ بن الحسين، فهذا هو الفيصل (رضي الله عنه وأرضاه).

وعندما نتحدث عن هذه الشخصيات عن هؤلاء الناس، ليس المراد هو أن نقضي وقتاً من رمضان أو من غيره من الأيام، في سرد القصص، ليس هذا هو المقصود، وإنما المقصود كما قال الله لنبيه محمد ﷺ  لما قال له: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ } [الأنعام: 83] ثم سرد الله له ـ سبحانه وتعالى ـ بعض الأنبياء ، ثم قال له تبارك وتعالى: { أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام: 90] فالإنسانُ دائماً يحتاج إلى القدوة.

فنحن عندما نتكلم عن هذه الشخصيات، نريد أن ننظر كيف وصلوا إلى هذه المرحلة التي من أجلها أحبهم المسلمون؟ وقبل أن يحبهم المسلمون أحبهم الله وجعل لهم القبول في الأرض. ماذا صنعوا؟ تُرى هل هم بشر مثلنا؟ ونستطيع أن نفعل كما فعلوا؟ أو أن الأمر مستحيل.

طاووس بن كيسان ـ رحمه الله ورضي عنه  ـ كان من أئمة التابعين، كان يقوم الليل، حتى يتعب، فيضرب فخذه بيده، ويقول لها اصبري، تحملي أيظن أصحاب محمد ﷺ  أن يستأثروا به من دوننا، والله لنزاحمنهم عليه، رجل له هدف يريد رفقة النبي ﷺ  في الجنة، فاجتهد على نفسهِ حتى يوصلها إلى ذلك المكان، ونحن عندما نتكلم عن سير هؤلاء الصالحين، وننظر في أعمالهم لنقتدي بهم، نحاول أن نتلمس آثارهم، والأمر كما قيل:

فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم          إن التشبه بالكرام فلاح

فنحن والله الذي لا إله إلا هو نريد هذا الفلاح، نريد الجنة، نريد ما عند الله تبارك وتعالى من الخير العميم الذي أعده لعباده الصالحين، عندما نتكلم عن هذه الشخصيات؛ ننظر في أحوالنا تُرى ما السبب الذي من أجله كانت  ـ يعني منزلة هذه الأمة بين الأمم عالية جداً ـ وما السبب الآن في زماننا نحن ما نراه من الضعف والهون والذل لهذه الأمة، لننظر في أحوالهم ثم نقيس أحوالهم على أحوالنا، فسنعرف عند ذلك الفرق العظيم، ولا يعني هذا أننا نريد أن نصل إلى مرحلة اليأس بحيث أننا لا يمكن أبداً أن ندرك ما وصلوا إليه أبداً فإن الأمر الذي فعلوه، يستطيع كل مسلم أن يسلك هذا الدرب، ولله الحمد والمنة  أن هذه الأمة مازالت تخرج من رحمها أمثال هؤلاء من الصالحين، والعبّاد، والمجاهدين، وغير ذلك.

نعود إلى موضوعنا: إن حديثنا الذي نريد أن نشرف به أسماعنا، ونريح به قلوبنا وأن نسعد به أنفسنا، حديث عن رجل من آل بيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) رجل كان يلقب بزين العابدين.

فرق عظيم بين أن يقال أن الإنسان أنه عابد، وفرق بين إنسان يقال له زين العابدين أي خير العابدين، أو أفضل العابدين، أو أحسن العابدين رضي الله عنه ورحمه.

أمه أم ولد، ومعنى أم ولد أي من الإماء. وهم ثلاثة من الصحابة الحسين بن علي بن أبي طالب، وعبد الله بن عمر بن الخطاب، ومحمد بن أبي بكر  الصديق.  هؤلاء الثلاثة من الصحابة قدّر الله تبارك وتعالى أنهم أخذوا أخوات، أخذوا أخوات من السبي، من سبي فارس، عبد الله بن عمر أخذ واحدة، والحسين بن علي أخذ واحدة، ومحمد بن أبي بكر الصديق اخذ واحدة، وهن ثلاث أخوات، فأنجبت التي عند الحسين له علياً، علي  بن الحسين، والتي عند عبد الله بن عمر أنجبت له سالماً، والتي عند محمد بن أبي بكر الصديق أنجبت له القاسم، وهؤلاء كانوا من فقهاء المدينة، وعبّادها، وعلمائها، وأشرافها، حتى قيل: ما رغبت قريش بأمهات الأولاد إلا بعد أن خرج أمثال هؤلاء الثلاثة، وهم أبناء خالة، سالم بن عبد الله بن عمر، وعلي بن الحسين بن علي أبي طالب، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق.

قال الزهري: عن علي بن الحسين: ما رأيت قرشياً قط أفضل من علي بن الحسين، ويقول يحيي بن سعيد الأنصاري: حدثني علي بن الحسين وهو أفضل قرشي أدركته. إلى هذه الدرجة يتكلمون عن علي بن الحسين.

قال رجل لسعيد بن المسيب( الإمام)، قال: ما رأيت أورع من فلان. يعني فلان ذكر رجل فيه من الورع، والورع: هي منزلة الإنسان يصل فيها إلى درجة من  الزهد والتنزه عن خوارم المرؤة ، وعن سفاسف الأمور، وعن كل ما يشك فيه أنه حرام وكذا، أي منزلة رفيعة جداً في الإنسان يتقرب بها إلى الله تبارك وتعالى، فقال: ما رأيت أورع من فلان. فقال له سعيد بن المسيب: هل رأيت علي بن الحسين، قال الرجل: لا. فقال له سعيد بن المسيب: والله ما رأيت أورع من علي بن الحسين. رحمه الله تبارك وتعالى ورضي عنه.

 

فصل – كرمه :

علي بن الحسين: ذكروا أنه قاسم الله ماله مرتين، مرتين في حياته قاسم الله ماله، ومعنى قاسم الله ماله أي جلس في يوم من الأيام ونظر في جميع أمواله من نقود ومن مزارع، من عبيد، من ملابس، يعني كل ما يملك ثم قسم هذا المال نصفين، فأبقى نصفاً وجعل نصفاً لله ـ سبحانه وتعالى ـ وكان قد فعلها قبله الحسن بن علي ـ (رضي الله تبارك تعالى عنهما) قاسم الله ماله ثلاث مرات حتى أنه كان يأتي بالنعل فيتصدق بواحدة، ويبقي واحدة.

اشتهر علي بن الحسين بقضية ألا وهي: قضية صدقة السر، كان قد اشتهر بصدقة السر، واحد يقل كيف صدقة سر واشتهر بها؟ المفروض صدقة سر لا تعلن، فكيف اشتهر بها؟ اشتهر بها بعد موته، (رضي الله عنه ورحمه) حتى أنهم قالوا: كان مائة بيت في المدينة يأتيهم طعامهم وشرابهم لا يدرون من أين؟ قبيل الفجر يجدون الطعام عند أبوابهم، يفتحون الباب يأخذون الطعام ، ويدخلون .  لا يدرون من أين يأتيهم الطعام؟ حتى قال بعض أهل المدينة ما فقدنا صدقة السر حتى مات علي بن الحسين، وكان يعول قريباً من مائة بيت، رحمه الله تبارك وتعالى، ورضي عنه.

حدّث بحديث عن أبي هريرة (رضي الله عنه)، عن النبي ﷺ  أنه قال: من أعتق نسمة مؤمنة أعتق الله منه كل عضو بكل عضو منها، فلما سمع هذا الحديث من أبي هريرة، عن عروة عن أبي هريرة عن النبي ﷺ  لما سمع هذا الحديث ذهب إلى عبد الله سامه، أي أراد أن يشتري عبد الله بن جعفر بعشرة آلاف درهم، فقال: اذهب فأنت حر، لوجه الله تبارك وتعالى.

دخل يوماً على محمد بن أسامة بن زيد وهو مريض، يعوده؛  فبكى محمد بن أسامة، فقال له علي بن الحسن، ما الذي يبكيك ؟ فقال محمد عليَّ دين مائة ألف دينار، وأنا الآن أموت ولا أستطيع تسديدها قال عليَّ دينك، بهذه السهولة، عليّ دينك، نم قرير العين، مت قرير العين، دينك عليّ، ثم خرج من عنده وسدد هذا الدين.

 

فصل – أخلاقه رضي الله عنه :

ذكروا أنه كانت له جارية، رحمه الله ورضي عنه، كانت تسكب له الماء للوضوء وبينما هو يتوضأ وهي تسكب الماء له سقط الإبريق منها فشج رأسه، فالتفت إليها فخافت، هذه الجارية، فلما رأت الغضب في عينيه من هذا الفعل، قالت له: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ } [آل عمران: 134]. ذكّرته بالآية، ذكّرته بكلام الله تبارك وتعالى، كما ذكّر أبو سفيان النبي ﷺ .

النبي ﷺ  لما أسلم أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، وكان قبل أن يسلم شاعراً، وهو ابن عم النبي ﷺ  لكن إبليس، كان شاعر كان يهجو النبي، يسب النبي في شعره ﷺ  فلما أسلم أبو سفيان، كان إذا جاء وجلس عند النبي ﷺ  النبي يقم  لا يجلس معه حتى بعد إسلامه، لأن النبي كان متضايقاً منه ﷺ  أنت ابن عمي وتهجوني، يعني لا خيرك ولا كفاية شرك، فكان ﷺ   إذا جلس يقوم، وإذا التفت إلى النبي صد النبي عنه، حتى تضايق أبو سفيان بن الحارث من هذا العمل، فذهب إلى علي بن أبي طالب، وهو ابن عمه أيضاً . فقال: يا علي، ما بال رسول الله يعاملني هذه المعاملة، وأنا ابن عمه. فقال له علي: وهل نسيت ما فعلت؟ بدل أن تنصره وتقف معه، على الأقل تكفه شرك، صرت أنت الذي تهجوه وأنت ابن عمه، خليص، كيف تفعل هذا؟ فقال أبو سفيان، ولكني أسلمت، يعني تبت الآن، المفروض انتهى كل شيء، فأرشده عليّ وكان يعرف النبي ﷺ  ويعرف أخلاق النبي ﷺ  فأرشده عليّ قائلاً: ائت النبي ﷺ  ثم قل له: تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين، يعني كما قال أخوة يوسف، ليوسف. فجاء أبوسفيان

فاجئ النبي ﷺ  دخل عليه في المجلس، ثم قال له: تالله لقد آثرك الله علينا، وإن كنا لخاطئين، فلم يكن للنبي بد إلا أن قال: لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين. فسامحه صلوات ربي وسلامه عليه.

وكانوا وقافين عند القرآن الكريم، بهذا ارتفعت منزلتهم عند الله تبارك وتعالى، عليّ بن الحسين لما سقط الإبريق من الأمة العبدة، سقط منها الإبريق وشج رأسه التفت إليها مغضباً فقالت له: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ } [آل عمران: 134] ذكرته بقول الله تبارك وتعالى، فماذا قال؟ كظمت غيظي، خلاص ذكرتيني بالله خلاص، كظمت غيظي، طمعت! قالت: والعافين عن الناس، تكظم غيظك الآن تضربني بعدين!!!

قالت: والعافين عن الناس. أريد العفو الآن ، قالت: والعافين عن الناس. قال: عفوت عنكِ. خلاص سامحتك. طمعت، قالت: والله يحب المحسنين، قال: اذهبي فأنت حرة لوجه الله.

كانوا وقافين، الآن لو الإنسان أغضبته الان اليوم، ثم قلت له والكاظمين الغيظ، يقول.. اه تسبني وبعدين تقلي والكاظمين الغيظ، تضربني ثم تقول والكاظمين الغيظ تفعل ثم تقول الكاظمين الغيظ، ما يتوقف عند كلام الله تبارك وتعالى، بهذا ارتفعوا بهذا نالوا الدرجات العلا. بمجرد أن قالت له: والكاظمين الغيظ. لم يملك إلا أن يقول: كظمت غيظي. هكذا كانوا ـ (رضي الله عنهم وأرضاهم).

كان متواضعاً جداً، كان يجلس عند أسلَم مولى عمر بن الخطاب، أسلم عبد، ولكنه عنده علم فكان علي بن الحسين يعني من آل بيت النبي ﷺ  من أشرف أهل الأرض في ذلك الوقت، فيأتي ويجلس عند أسلم بن عبد الله، يتعلم منه، فأنكر عليه بعض الناس من قريش، فقالوا: أنت من أنت، أنت علي بن الحسين بن فاطمة بنت رسول الله ﷺ  الهاشمي القرشي، تجلس عند عبد بني عدي، فما كان أن قال: المرء يجلس حين ينتفع، المرء يجلس حين ينتفع، أنا أنتفع هنا ، أنا أجلس هنا، ولا أبالي.

جاءه رجل يوماً فسبه شتمه، لما شتمه هذا الرجل ثار العبيد هو لم يتلكم وإنما الذي غضب له عبيده خدمه، غضبوا وثاروا وأردوا يضربوا هذا الرجل، فقال: دعوه، لا تفعلوا به شيئاً. ثم التفت إلى الرجل، فقال له: ما ستر الله عنك من أمرنا أكثر. يعني أنت تعرف شيئاً من المساوئ التي تظنها فينا ترى أن الله سبحانه وتعالى ساتر علينا وعندنا من المساوئ ما الله به عليم، لكن الحمد لله، الله ساترنا ـ سبحانه وتعالى ـ يقول: ما ستر الله عنك منا أعظم. ألك حاجة؟ نعينك عليها، ثم أعطاه شيئاً من المال وأكرمه، فاستحيا الرجل، يعني ما يدري ماذا يفعل؟ فلم يملك هذا الرجل إلا أن قال: أشهد أنك من أولاد المرسلين، يعني ما يفعل هذا إلا أولاد المرسلين.

جاءه يوماً ابن عمه، هو ما اسمه هو علي بن الحسين بن علي، جاءه ابن عمه، الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب بن عمه الحسن، فتكلم عليه بكلام غليظ، أعطاه كلامًا يعني أغلظ له فيه، وعليّ ساكت لا يتكلم، حتى سكت الحسن بن الحسن، فلما سكت الحسن ولم ينصرف عنه حتى أكمل كلامه، فلما انتهى كلام الحسن بن الحسن انصرف علي بن الحسين إلى بيته، فلما هدأت الأمور، وكان الليل ذهب علي بن الحسين إلى الحسن بن الحسن فطرق عليه الباب. فخرج الحسن بن الحسن، واذا علي بن الحسين، نعم! قال له: يا ابن عم، إن كنت صادقاً فيما قلته عنيَ فغفر الله لي، وإن كنت كاذباً فيما قلته عني، فغفر الله لك. السلام عليكم، ثم انصرف. فأمسك به الحسن الحسن وظل يبكي حتى رثي له. شوف هذا التعامل شوف هذا الأريحية شوف هذا الهدوء يعني ، والعفو والمسامحة، كل هذا كان من علي بن الحسين رضي الله عنه وأرضاه.

 

فصل – عبادته رضي الله عنه :

كان مع هذا من العبّاد حتى كان إذا أراد أن يدخل في الصلاة، يعني تصيبه رعشة، يقال له: مالك الصلاة شو المشكلة، قال: أتدرون بين يدي من سأقف، إنني سأقف بين يدي الله تبارك وتعالى ـ ونحن لا نقول كل إنسان يفعل هذا ولابد تصيبك هذه الرعشة، لكن هذا الشيء إن كان يحدث له رضي الله عنه ورحمه، كان يشعر برعدة يقول تدرون بين يدي من سأقف، انني سأقف بين يدي الله. تبارك وتعالى.

وكان إذا احرم بالحج أو العمرة، يرون وجهه مصفراً، يصفر وجهه يقولوا له: مالك إنك مقدم على طاعة المفروض تفرح، يقولوا إنك مقدم على طاعة، قال: والله إني أخشى أن أقول لبيك اللهم لبيك، فيقال لي: لا لبيك ولا سعديك. شوفوا الخوف، كيف يخاف من الله تبارك وتعالى أن يرد عليه عمله؟

يقول طاووس بن كيسان ـ رحمه الله تبارك وتعالى ـ سمعت عند الحِجْرِ، حجر يعني الحطيم، يسميه الناس حجر إسماعيل، يقول سمعت عند الحجر عليّ بن الحسين يقول، يعني يدعو الله تبارك وتعالى ـ بينه وبين الله سبحانه وتعالى ولكن بصوت مسموع شوية،  يقول طاووس فسمعته، ماذا يقول؟ يقول لله تبارك وتعالى يخاطب الله تبارك وتعالى يقول " عُبَيْدُكَ بِفِنَائِكَ ، مِسْكِينُكَ بِفِنَائِكَ ، سَائِلُكَ بِفِنَائِكَ فَقِيرُكَ بِفِنَائِكَ ،  ". يخاطب الله يتذلل لله تبارك وتعالى، يقول طاووس فحفظتها، فما دعوت بها في كرب إلا كشف عني، يقول من جمال هذه الكلمات التذلل لله تبارك وتعالى.

وقال مرة إني لأستحي من الله أن أرى الأخ من إخواني فيسأل فأسأل الله له الجنة، وأبخل عليه بالدنيا، وهذا يحدث كثيراً، يعني تأتي لرجل تقول له مثلا، أسأل الله تبارك وتعالى أن يرزقك الجنة، ثم يطلب منك عشرون ديناراً  وأنت عندك، فتقول: والله  اسمح لي، ما اقدر ما تعطيه: يقول والله إني أستحي أسأل له الجنة، وأبخل عليه بالدنيا، يقول: فإني أخشى يوم القيامة أن يقال لي، والله لو كانت الجنة بيدك ما أعطيته شيئاً منها ، لكن لما الجنة ليست بيدك، آهه خذ تبي الجنة! أسأل الله لك الجنة، خذ الجنة! لكن ليست بيدي، لكن لو كانت بيدك يقول لبخلت بها عليه.

وكان من دعائه اللهم إني أعوذ بك أن تحسن في لوائح العيون علانيتي، وتقبح في خفيات العيون سريرتي، يعني ما أريد أن في العلن، يحبني الناس وفي السر يكرهونني،  اللهم كما أسأت وأحسنت إليّ فإذا عدتُ فعد عليّ. الله أكبر، كلنا نسيء، وكلنا نخطئ، علي بن الحسين يخاطب الله تبارك وتعالى يقول: اللهم إني كلما أسأت أنت تحسن، اللهم إن عدت إلى الإساءة فعد إليَّ بالإحسان.

وسئل عن كثرة بكائه كان يبكي كثيراً عليّ بن الحسين، فقيل له إنك تبكي كثيراً، فقال: نبي الله يعقوب ـ صلوات ربي وسلامه عليه ـ فقد سبطاً فبكى حتى ابيضت عيناه من الحزن، وهو لا يدري احي أو ميت؟ وأنا مات من أهل بيتي أربعة عشر رجلاً أمام عيني، ألا تريدونني أن أبكي، يعني في معركة الطف عندما قتل الحسين والعباس وأبي بكر وعثمان وعبد الله بن جعفر وعبد الله عون، وغيرهم من آل بيت النبي (صلى الله عليه وآله سلم) .

 

فصل – حكمته :

جاء رجل إلى علي بن الحسين فقال له: أخبرني عن أبي بكر. يعني ما رأيك في أبي بكر الصديق؟ قال: أخبرني عن أبي بكر. فقال له علي بن الحسين: أعن الصديق تسأل. يعني أو أبا بكر آخر، قال: عن الصديق تسأل؟ استغرب الرجل وتسميه الصديق، لو كانوا يظنون أن آل البيت يكرهون أصحاب النبي ﷺ  قال: عن الصديق تسأل، قال: أوا تسميه الصديق. قال: ثكلتك أمك. قد سماه صدّيقاً منه هو خير مني رسول الله ﷺ  والمهاجرون والأنصار فمن لم يسمه صديقاً فلا صدق الله له قوله.

وسأله رجل عن منزلة أبي بكر وعمر من النبي ﷺ  وكان في المسجد مسجد النبي ﷺ   فأشار علي بن الحسين إلى قبر النبي وقبر أبو بكر وعمر، لأنهم مدفونان معاً، قريب من النبي ﷺ  فقال: بمنزلتهما منه الآن، كيف منزلتهما الآن من النبي ﷺ  هي منزلتهم من النبي ﷺ  في الدين، قال: بمنزلتهما منه الآن.

وجاءه رجل يوماً: فتكلم في المهاجرين والأنصار، أخطأ في حق المهاجرين والأنصار، فقال له علي بن الحسين: يا أخي إن الله تبارك وتعالى، قال في كتابه العزيز: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ } [الحشر: 8] هل أنت من هؤلاء؟ قال الرجل: لا هؤلاء المهاجرون، قال: فإن الله تبارك وتعالى قال بعدها: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: 9] هل أنت من هؤلاء؟ قال الرجل: لا هؤلاء الأنصار. قال فإن الله تبارك وتعالى يقول بعد ذلك: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ } [الحشر: 10]  هل أنت من هؤلاء؟ قال: أرجو ذلك. قال: لا والله لست من هؤلاء. من لم يحب هؤلاء وهؤلاء يعني المهاجرين والأنصار فليس من هؤلاء، ابداً لا يمكن، لا يمكن أن يكون من أولئك.

وقد غلا كثير من الناس بآل بيت النبي ﷺ  حتى اشتكى قالوا بيت النبي صلوات ربي وسلامه عليه من ذلك، قال علي بن الحسين: أيها الناس أحبونا حب الإسلام، فما برح بنا حبكم حتى صار علينا عاراً. هكذا يقول حبكم صار علينا عاراً، غلوكم هذا إفراطكم هذا صار عاراً علينا.

وأنا أذكر لكم قصة تبين لكم هذا الأمر، هناك أحد الكُتّاب، قرأ كتاباً يقال له الكافي، وهذا الكتاب مليء بالشركيات، وكل هذه الشركيات تنسب إلى آل بيت النبي ﷺ  وبالأخص تنسب إلى جعفر بن محمد بن علي بن الحسين، يعني علي بن الحسين جده، الذي نتكلم عنه الآن، جل هذه الشركات في تنسب الى هذا الرجل ، وهو كذب عليه لا شك في ذلك، أحد الكُتّاب لما قرأ هذا الكتاب ظن أنّ هذا الكلام المنسوب إلى جعفر الصادق أن فعلاً جعفر قاله ـ رحمه الله ورضي عنه ـ  فاتهم جعفر الصادق بأنه زنديق ـ والعياذ بالله ـ لماذا؟ قال كيف يقول هذا ، هذا كلام الزنادقة، لكن ما درى هذا المسكين أن جعفراً مكذوب عليه ـ (رضي الله عنه ورحمه) ـ ولذلك يقول علي بن الحسين جد جعفر الصادق، يقول: أيها الناس أحبونا حب الإسلام، فما برح بنا حبكم حتى صار علينا عارا.  ثم نتهم بأشياء بسبب غلوكم فينا.

وقال يوماً أحبونا حب الإسلام، ولا تحبونا حب الأصنام، لا تجعلونا أصناماً تعبد من دون الله ـ تبارك وتعالى ـ وقال يوماً لأحد أولاده: يا بني، لا تصحب فاسقاً، فإنه يبيعك بأكلة وأقل منها. قال: ولا تصاحب بخيلاً فإنه يخذلك في ماله أحوج ما تكون إليه، ولا تصاحب أحمق فإنه يريد أن ينفعك فيضرك، ولا تصاحب كذاباً فإنه كالسراب يقرب إليك البعيد، ويبعد عنك القريب.

قال له أحدهم: متى يبعث علي بن أبي طالب؟ وهذه عقيدة يقال لها الرجعة، يظنوا أن علياً يرجع الى هذه الدنيا قبل يوم القيامة. فقال له رجل: متى يبعث علي بن أبي طالب؟ قال: والله ليبعثن علياً بن أبي طالب يوم القيامة ثم لا تهمه إلا نفسه. أشتغل بنفسك، لا تهمه إلا نفسه، انسوا هذه القضية أنه يبعث قبل يوم القيامة  ـ رحمه الله ورضي عنه ـ .

حج هشام بن عبد الملك، وكان هشام في ذلك الوقت أخاً للخليفة، كان الخليفة الوليد بن عبد الملك، الوليد بن عبد الملك بن مروان، الخليفة الأموي، أو المرواني، الخليفة وليد بن عبد الملك أخوه هشام ذهب الى الحج، فكان يطوف حول الكعبة، فكان فيه زحام، كما هو الحال الآن على الحجر، فالناس عند الحجر يزدحمون، فإذا أراد أن يقبل الحجر يجد صعوبة في الوصول إلى الحجر.

ثم تفاجأ برجل يطوف أيضاً فإذا جاء عند الحجر كل الناس ابتعدوا وجاء قبل الحجر وحده ثم انصرف إلى الشوط الثاني، كلما وصل الحجر كل الناس يتفرقون على الحجر، ويأتي الرجل يقبل الحجر ثم يجتمع الناس مرة ثانية، إلى لحجر،  وهو لا يستطع وهو أخو الخليفة، فغضب طبعاً هشام بن عبد الملك من هذا الفعل فقال: وهذا الرجل طبعاً هو علي بن الحسين، فقال هشام: من هذا؟ فإني لا أعرفه، يعني ماذا يكون؟ هو يعرفه، هو يعرفه هشام بن عبد الملك، لكن يسوي نفسه  مايعرفه ، فقال: من هذا فإني لا أعرفه؟

وقدّر الله أن الشاعر همام بن غالب اللي هو الفرزدق كان موجوداً، فغضب من كلام هشام كيف تقل لا أعرفه؟ يعني تحاول أن تصغره من اعين الناس.. الناس  تعرف هذا الرجل، ولذلك تفرج له، تترك له الحجر وحده ـ رضي الله عنه أنت تقول لا تعرفه؟ من أنت حتى تقول لا تعرفه، فقال الفرزدق ـ يعني ارتجالاً، غضباً لعلي بن الحسين ، قال:

هَذا الّذي تَعرِفُ البَطْحاءُ وَطْأتَهُ

وَالبَيْتُ يعْرِفُهُ وَالحِلُّ وَالحَرَمُ

هذا ابنُ خَيرِ عِبادِ الله كُلّهِمُ،

هذا التّقيّ النّقيّ الطّاهِرُ العَلَمُ

إذ رَأتْهُ قُرَيْشٌ قال قائِلُها:

إلى مَكَارِمِ هذا يَنْتَهِي الكَرَمُ

يَكادُ يُمْسِكُهُ عِرْفانَ رَاحَتِهِ،

رُكْنُ الحَطِيمِ إذا ما جَاءَ يَستَلِمُ

يُغْضِي حَياءً، وَيُغضَى من مَهابَتِه،

فَلا يُكَلَّمُ إلاّ حِينَ يَبْتَسِمُ

هذا ابنُ فاطمَةٍ، إنْ كُنْتَ جاهِلَهُ،

بِجَدّهِ أنْبِيَاءُ الله قَدْ خُتِمُوا

فلَيْسَ قَيلُكَ: مَن هذا؟ بضَائرِه،

العُرْبُ تَعرِفُ من أنكَرْتَ وَالعَجمُ

من مَعشَرٍ حُبُّهُمْ دِينٌ، وَبُغْضُهُمُ

كُفْرٌ، وَقُرْبُهُمُ مَنجىً وَمُعتَصَمُ

إنْ عُدّ أهْلُ التّقَى كانوا أئِمّتَهمْ،

أوْ قيل: «من خيرُ أهل الأرْض؟» قيل: هم

لا يُنقِصُ العُسرُ بَسطاً من أكُفّهِمُ؛

سِيّانِ ذلك: إن أثَرَوْا وَإنْ عَدِمُوا

فلما قالها الفرزدق طبعاً قالها لهشام أخي الخليفة أمام الناس في الحج طبعاً الشعراء هؤلاء وكالات أنباء طبعاً منذ أن يتكلم الكل يلتقط هذا الشعر وينتشر في كل مكان، فغضب طبعاً هشام بن عبد الملك، فأمر بالفرزدق أن يحبس، لأنه أهانه، تكلم عليه بهذا الكلام فقال: احبسوه، فحبس الفرزدق، فلما أمر بحبسه، قال الفرزدق:

أيحبسني بين المدينة والتي

إليها قلوب الناس يهدى منيبها

يقلّب رأسا لم يكن رأس سيّد

وعينين حوليين باد عيوبها

كان هشام أحول فالفرزدق هجاه، قال أنا ساكت عنك ، الآن أهجوك فلما سمع طبعاً لما قال الفرزدق هذا أخرجه خاف منه، لأن هذا بات يشتغل عليه شعر ويؤذيه، فأخرجه فلما سمع علي بن الحسين بما قاله الفرزدق ودافع عنه أرسل له بمائة ألف دينار، يعني هدية من علي بن الحسين، للفرزدق ،فالفرزدق ذهب بها وأعطاها لعلي بن الحسين. قال: والله ما قلتها إلا غضباً لله ولرسوله، ما أريد منك شيء. يعني، أنا ما قلتها لتعطيني، وإنما قلتها غضباً لله ولرسوله، حتى هذا يتكلم عليك، من هذا ومن أنت؟ حتى هذا يتكلم عليك، فردها الفرزدق، ولم يقبلها، هذا هو علي بن الحسين رحمه الله تبارك وتعالى ورضي عنه .

 

فصل – وفاته :

توفي رحمه الله تبارك وتعالى سنة أربع وتسعين من الهجرة وله من العمر ثماني وخمسون سنة، ودفن في البقيع في مدينة رسول الله ﷺ  وهذه السنة التي توفي فيها علي بن الحسين قيل لها سنة الفقهاء لأنه توفي في هذه السنة: سعيد بن المسيب، وسعيد بن جبير، وعروة ابن الزبير، وأبو بكر بن الحارث بن هشام، وعلي بن الحسين فسميت سنة الفقهاء ، يعني السنة التي توفي فيها جماعة من الفقهاء، اسأل الله تبارك وتعالى أن يحشرنا وإياكم مع علي بن الحسين وآبائه وأجداده والله أعلى وأعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد .

 

مقالات ذات صلة :