• 7 نيسان 2017
  • 6,394

سلسلة من نحب - صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم – (5) سيدنا عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه :

المقدمة

صلاةً وسلامً على سيد الأنبياء وإمام المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين، مازلنا مع سلسلة { أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام: 90] ، وهم {رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ } [الأحزاب: 23]. اخترنا مجموعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، نعطر مجالسنا، ونرهف أسماعنا، بمعرفة أخبارهم، وعبادتهم وعلمهم، لعلنا أن نستفيد من ذلك كما قيل:

فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم

إن التشبه بالكرام فلاح

حديثنا في هذه الليلة، عن الزاهد في الإمرة والمراتب، الراغب في القربة والمناقب، المتعبد المتهجد، نزيل الحصباء والمساجد، الذي كان غريباً في هذه الدنيا، وكان مستغفراً توابا، وهو أبو عبد الرحمن عبد الله بن عمر بن الخطاب، العدوي القرشي.

أسلم وهاجر وبايع النبي ﷺ قبل أن يحتلم، وهو صغير، استصغر يوم أحد، جاء ليشارك في معركة أحد فرده النبي ﷺ لصغر سنه، وقَبِله صلوات الله وسلامه عليه ـ في الخندق أي بعد أُحد بسنة أو بسنتين على خلاف، وكان عمره في ذلك الوقت خمسة عشرة سنة، وبايع بيعة الرضوان في السنة السادسة من الهجرة.

 

فصل – صفاته :

سيكون حديثنا عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ـ منصباً على أمور منها: تمسكه بالسنة، كرمه وإنفاقه، عبادته ورعه، كلمات نقلت عنه، ثم وفاته.

أما تمسكه بالسنة، فكان أكثر الصحابة حرصاً على التمسك بسنة النبي ﷺ حتى إنه كان يشرب كما يشرب النبي ﷺ ويلبس ثيابه بالطريقة التي كان يلبسها النبي ﷺ حتى قالوا إنه كان عنده شيء من الغلو في هذا الأمر لدرجة أنه كان يبول في المكان الذي كان يبول به النبي صلوات الله وسلامه عليه .

سمع حديث النبي ﷺ : ما حق امرؤ مسلم يبيت ثلاثاً، وله شيء يوصي به إلا ووصيته مكتوبة عنده، يقول ابن عمر فما بت بعدها ليلة إلا ووصيتي مكتوبة.

ما ذكر النبي ﷺ بعد وفاته إلا ودمعت عيناه، وهو يتذكر رسول الهدى صلوات الله وسلامه عليه ـ كان إذا فاتته صلاة العشاء في جماعة أقام الليل كله، من باب التعويض، يعوض الصلاة التي فاتته، وكم تفوتنا صلوات، ولا نزيد على أن نأتي بتلك الصلاة، وكفى.

كان يقوم أكثر الليل، كان يخرج إلى السوق يقول والله ما السوق أريد، ولكن أريد أن أسلم على الناس، وأن يسلم الناس عليّ، إحياءً لهذه السنة، يمر على الصغار فيسلم عليهم يبدأهم بالسلام ـ رضي الله عنه وأرضاه.

أما كرمه فحدث ولا حرج عن البحر، حتى قال نافع، إن ابن عمر اشتهى سمكاً قال: فشووها، ووضعوها أمامه، وقبل أن يأكل جاء سائل يسأل. فقال: أعطوها إياه، ولم يذقها.

كذلك اشتهر بشيء وهو: أنه كان يطبّق قول الله تبارك وتعالى بحذافيره {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ } [آل عمران: 92] كلما أعجبه شيء من ماله أنفقه، مباشرة.

اشترى ناقة يوماً فأعجبته ودخلت في قلبه، فقال: اجعلوها في إبل الصدقة. اشترى جارية فأحبها فقال: اذهبي فأنت حرة. وأعتقها ـ رضي الله عنه وأرضاه. كلما أعجبه شيء من ماله أنفقه في سبيل الله ، يريد ما عند الله جل وعلا ـ .

أعطاه عبد الله بن جعفر مائة ألف في نافع مولاه ـ يعني ليشتري نافعاً ـ عبد الله ابن عمر كان له عبد اسمه نافع وهو من أكثر الرواة عن ابن عمر في الحديث، فأراد عبد الله بن جعفر أن يشتري نافعاً هذا عالم جليل، فأراد أن يشتريه، فقال ابن عمر أو غير ذلك ، أو خير من ذلك ، قال: هو ذاك، قال: هو حر لوجه الله – جل وعلا - .

كانت تمضي عليه الأيام والشهور لا يذوق لحماً إلا وبين يديه يتيم يأكل معه،  يقول أيوب بن وائل الراسبي: يا معشر التجار ما تصنعون بالدينار وابن عمر أتته البارحة عشرة آلاف، وُضح: يعني انتهت. يعني جاءته عشرة آلاف البارحة، ابن عمر وأصبح اليوم يطلب ديناراً جاي يطلب درهماً ليشتري به علفاً لدابته، البارحة عنده عشرة آلاف وأصبح اليوم يطلب درهماً نسيئة يعني ديناً ليشتري علفاً لدابته ، أنفق العشرة آلاف كلها لوجه الله – جل وعلا - .

ولذلك قال ابن عمر: ما شبعت من طعام منذ أسلمت. ويقول والله لقد مرت عليّ إحدى عشرة سنة واثنا عشرة سنة، وثلاثة عشرة سنة وما شبعت من طعام.

مرَّ أصحاب نجدة الحروري( نجدة الحروري هذا من الخوارج) مروا على إبل لابن عمر فسرقوها، فجاء العبد لابن عمر عبده وكان يرعى تلك الإبل فجاء إليه فقال: سُرقت الإبل فاحتسبها . فقال ابن عمر: وأين أنت؟ لماذا لم تدفع عن الإبل، قال سرقت معها، يعني أنا أيضاً أخذت مع الإبل ثم إني هربت، قال: طيب ولم لم تبقى معهم الذين سرقوا الإبل، أنت عبد فرصة تفر ولا تكون عبداً تصير حراً تفر ابط، قال: وما حملك على أن ترجع، قال: حبي لك. أنا أحبك فأريد أن أبقى معك. فقال له ابن عمر: آلله، يعني تقسم بالله على ذلك، أن الإبل سرقت،و أنت سرقت معها وأنت رجعت لأنك تحبني، قال: آلله. قال اذهب فأنت حر لوجه الله .

ثم بعد أيام جاء الخبر لابن عمر فقيل له رأينا بعض إبلك يباع في السوق، الإبل التي سرقت، قالوا: رأينا بعض إبلك يباع في السوق، فقال: هيا بنا إلى السوق، حتى يأخذ هذه الإبل ويعرف من سرقها، ويستعيد بعض ملكه، فلما خرج من بيته توقف بعد خطوات ثم قال: لعلي أرجع، قالوا: لما، قال: إني احتسبتها لله، أنا أريدها يوم القيامة.لقد احتسبتها عند الله تبارك وتعالى، فلا أريد أن أرجع في نيتي. فتركها ولم يذهب إليها.

جاء إلى راعي غنم، فقال له: تبيعني هذه الشاة. فقال له الرجل: إني لا أملكها ولكني أرعاها لسيدي، فأراد ابن عمر أن يختبره، فقال له : قل لسيدك أكلها الذئب. قل لسيدك أكلها الذئب.  فقال له الراعي: أقول هذا لسيدي فماذا أقول لله؟ فسكت ابن عمر وقال: إي والله، فماذا تقول لله؟ من سيدك؟ قال: سيدي فلان، فذهب إليه واشتراه وأعتقه.

حتى إن أهل العلم ذكروا أن ابن عمر أعتق ألف إنسان. تصوروا أن النبي ﷺ يقول: من أعتق رجلاً في سبيل الله أعتق الله منه بكل عضو، عضو من النار. وهذا أعتق ألف إنسان لوجه الله بدون مقابل، ألف إنسان أعتقهم ابن عمر رضي الله عنه، سواء كانوا عبيداً له أو عبيداً لغيره، يتقرب بهم إلى الله سبحانه وتعالى.

 

فصل – عباداته :

اشتهر ابن عمر بالعبادة حتى قال نافع: كان يحيي الليل، ثم يقول لي يا نافع أسحرنا؟ أي وصلنا إلى السحر (السحر أخر الليل قريب الفجر لذلك نسميه السحور) فقال: أسحرنا، يقول له نافع ليس بعد، لم نسحر، فيستمر يصلي، ثم يقول أسحرنا، فيقول ليس بعد فيستمر يصلي، فيقول أسحرنا فإذا قال نعم ترك الصلاة وجلس يذكر الله ويشكره حتى يؤذن للفجر. هكذا كان يفعل رضي الله عنه وأرضاه.

ولذلك سئُل نافع مولاه، قيل له: ماذا كان يصنع ابن عمر في بيته؟ ماذا نصنع نحن وماذا يصنع هو؟  قيل يا نافع ماذا كان يصنع عمر في بيته؟ قال لا تطيقون، لا تستطيعون، {لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [المائدة: 101] قال لا تطيقون، الوضوء لكل صلاة، وبين الصلاة والوضوء قراءة القرآن، هذا عمله ، دائماً على وضوء دائماً يصلي، دائماً يقرأ القرآن، هذا عمله في بيته، رضي الله عنه وأرضاه. هو قال لا تطيقون ذلك.

قرأ سورة المطففين في ليلة يصلي، فبلغ قول الله تبارك وتعالى : {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ } [المطففين: 6] فلم يستطع أن يكملها يكررها يريد أن يتعداها ما استطاع وهو يبكي حتى جلس ولم يكمل الصلاة، ما استطاع أن يكمل الصلاة من شدة بكائه لما قرأ قول {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ } [المطففين: 6] يستشعر ذلك اليوم، لا كما يهد القرآن كثير من الناس اليوم لا يستشعرون المعاني التي فيه.

ولذلك الله تبارك وتعالى، نعى على الناس { أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا } [النساء: 82]

وقرأ كذلك {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ} [الحديد: 16]. فبكى حتى غلبه البكاء رضي الله عنه وأرضاه.

كان يطوف في البيت فجاءه عروة بن الزبير هو يطوف فقال يطوف معه عروة بن الزبير ثم كلمه قال له : أريد أن  أخطب ابنتك سودة، وهو يطوف. فسكت ابن عمر ولم يرد عليه. حتى يقول عروة، حتى قلت لعله لم يسمعني، ثم قلت في نفسي لا لعله سمعني وكره مسألتي. يقول فسكتَ، فسكتُ ، حتى انتهى من عمرته أو حجه ورجعنا إلى المدينة، يقول فمررت عليه يوماً في المسجد، فناداني فجئت وسلمت عليه ، وجلست فقال لي: أتذكر مقالتك لي في مكة ونحن نطوف، قال فقلت: نعم، قال: والله ما منعني أن أرد عليك إلا وأن كنت في طواف، أتخايل أن الله ينظر إليّ الآن، فما استطعت أن أرد عليك في مسائل الزواج، ثم قال له: أما زلت على ما كنت تقول؟ يعني مازلت تريد سودة ابنتي، قال: والله الآن أنا أشد حرصاً عليها من قبل. فقال له ابن عمر: إذاً ناجي سالماً بن عبد الله بن عمر، ثم عقد له عليها ـ رضي الله عنه وأرضاه .

اشتهر ابن عمر بقضية تغيب عن كثير من الناس في العبادة هو أنه كان يقوم بين الظهر والعصر، من يصلي الظهر يصلي بعد ذلك نوافل حتى يؤذن العصر، كان يحيي ما بين الظهر والعصر، غير قيام الليل، غير قيام الليل كان أيضاً يحيي ما بين الظهر والعصر، يصلي في هذه الفترة.

يقول ابن عمر كان الرجل في حياة النبي ﷺ إذا رأى رؤيا أحب أن يقصها على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول فرأيت رؤيا وأنا نائم في المسجد: رأيت كأن ملكين أتياني فذهبا بي إلى النار، يقول: رأيت كأن ملكين أتياني فأخذاني فذهبا بي إلى النار، يقول: فإذا هي مطوية كطي البئر، لها قرون كقرون البئر، فرأيت فيها أناساً قد عرفتهم، فجعلت أقول أعوذ بالله من النار، فلقينا ملك يعني آخر، فقال لي : لن تراع. لا تخاف، لن تخوف لن تراع. فقال له: لن تراع. ثم استيقظت. فذكرت ذلك لحفصة (حفصة أخته وزوجة النبي ﷺ ، يقول فذكرت ذلك لحفصه فقصتها على رسول الله ﷺ فقال: نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل، هذا في أول الأمر. يقول سالم: فكان عبد الله بعد ذلك لا ينام من الليل إلا قليلا. استفاد من هذا الموقف. ولذلك قال له النبي ﷺ كن في الدنيا كأنك غريب، أو عابر سبيل.

فكان ابن عمر بعد ذلك يقول إذا أصبحت فلا تنتظر المساء وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح.

أما ديانته وورعه ـ رضي الله عنه وأرضاه ـ وهو العالم، الحبر الذي كان يقول مالك بن أنس، وغيره من أهل العلم: رجع الناس في الفتوى إلى ابن عمر ستين سنة، لمدة ستين سنة وهو يفتي، والناس يرجعون إليه في الفتوى، لأنه تأخرت وفاته ما توفي إلا سنة ثلاث وسبعين من الهجرة، يقول: ستين سنة وهو يفتي الناس والناس يسألونه يطلبون منه العلم.

ومع هذا، هذا الرجل العالم الجليل ، يقول: سأله رجل فطأطأ ابن عمر رأسه. ولم يجبه، يعني ما أجاب. فاستغرب الرجل وظن أنه لم يسمع السؤال، فقال له: يرحمك الله أما سمعت مسألتي، يعني ما اجبتني على سؤالي، أما  سمعت مسألتي. فرفع رأسه وقال: بلى أنا سمعت مسألتك، قال: بلى ولكنكم كأنكم ترون أن الله ليس بسائلين عما تسألونا عنه. يعني أنت تظن أنك تسأل وتجاب تظن أن الله ما راح يسألني عن الإجابة أنا ايضا سأسأل عن هذه الإجابة يوم القيامة ، كأنكم تظنون أن الله لن يسألنا عن هذه المسائل! اتركنا، يرحمك الله حتى نتفهم في مسألتك، يعني ما تستعجل في طلب الإجابة، فإن كان له جواب عندنا، وإلا أعلمناك ألا علم لنا به. ولا يتحرج أبداً.

ولذلك سُئل مرة، فقال: لا علم لي به. سُئل عن مسألة فقال: لا علم لي بها. فذهب الرجل.

فصار ابن عمر يحدث نفسه، وهو جالس عنده تلميذه نافع، فقال: سُئل ابن عمر عن أمر لا علم له به، فقال: لا علم لي به، هنيئاً لابن عمر. يعني ما يحزن أن يقول: لا أعلم. مع أنه من علماء أصحاب النبي ﷺ .

بل ذكر أهل العلم أن المكثرين عن النبي ﷺ من الرواية سبعة، الذين هم أصحاب الألوف، في الروايات التي تتجاوز الألف في الرواية، أولهم أبو هريرة، وهو تجاوز الخمسة آلاف، ثم يأتي بعده ثلاثة الذين تجاوزوا الألفين وهم: عائشة وابن عمر وأنس بن مالك، ثم ثلاثة الذين تجاوزوا الألف، وهم: أو سعيد الخدري، وجابر وابن عباس. فابن عمر أيضاً من المكثرين في الرواية عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن علماء أصحاب النبي ﷺ ورجعت إليه الفتوى، مع هذا لا يحزن، ولا يتأذى، ولا يتردد في قوله: لا أعلم. وليتنا نتعلم هذه الكلمة.

عبد الملك بن مروان خليفة جاءته أم ولد له، يعني أمة أنجبت له فتصير أم ولد، فقالت له: أريدك أن تهديني غلاماً، يعني عبد، أريدك أن تهديني غلاماً ولكن اسمع: أريد هذا الغلام عالماً بالسُّنة، قارئاً لكتاب الله، فصيحاً عفيفاً، كثير الحياء، قليل المراء. شوف لي هذا الغلام. أريد غلاماً عالماً بالسنة، قارئاً لكتاب الله فصيحاً عفيفاً، كثير الحياء قليل المراء. فرد إليها في كتاب، قال لها: ما وجدنا هذه الصفات، إلا في واحد وهو عبد الله ابن عمر فسألنا أهله أن يبيعوه فرفضوا، يعني هذه الصفات التي ذكرتيها لن أجدها إلا في هذا الرجل، وهو عبد الله ابن عمر ـ رضي الله عنهماـ.

في عهد عثمان بن عفان طلب منه عثمان أن يلى القضاء فرفض، فأعاد عليه عثمان، قال: إلا أن تلي القضاء، نحن نحتاج إليك في القضاء قال إني استعيذ بالله، من هذا قال استعذت بمعاذ، قال استعذت بالله خلاص نتركك، فتركه عثمان ولم يلزمه القضاء.

كان عنده من العبيد، قلنا أنه أعتق قريباً من ألف إنسان، فكان عنده من العبيد ماذا يفعلون إذا رأوه يذهبون إلى المسجد ويصلون ويحسنون الصلاة أمامه ويحسنون الصيام، وغير ذلك فكان إذا يعني أعجب بهم أعتقهم لوجه الله، فصار يعتق من عبيده، فقال له بعضهم: إنهم يخدعونك، يعني أمامك ترى هم يصلون ويظهرون الطاعة ويظهرون الصلاح ، ومن خلفك ترى عبيد، ما في ذوق يصلون ولكن ليست كالصلاة التي يصلونها أمامك، فقال: من خدعنا في الله انخدعنا له، طالما أنهم يخدعوننا في الله في الطاعة في الدين نحن ننخدع لهم ولا بأس عندنا في ذلك.

يقول ابن مسعود رضي الله عنه إن من أملك شباب قريش لنفسه عن الدنيا ابن عمر. ويقول ابن المسير مات ابن عمر يوم مات وما من الدنيا أحد أحب إليّ أن ألقى الله بمثل عمله منه. من هذا الرجل. ويقول كذلك لو شهدت لأحد أنه من أهل الجنة لشهدت لابن عمر، يقول أنا ما أشهد لأحد من الجنة وإنما شهد له الله ورسوله ﷺ لكن لو أردت أن أشهد لشهدت لهذا الرجل لما  أرى فيه من الطاعة والخير وهذا سعيد بن المسير تلميذ ابن عمر وتلميذ أبيه عمر - رضي الله عنهما ـ.

وقال مرة : كان ابن عمر يوم مات خير من بقي على وجه الأرض، يوم مات ابن عمر، أي سنة ثلاث وسبعين، بعد موت الحسن، والحسين،وعبد الله بن الزبير،  وعبد الله بن العباس، وغيرهم مات متأخراً رضي الله عنه وأرضاه. يقول يوم مات  هو كان خير من على وجه الأرض، ممن أعرفهم.

نقلت عن ابن عمر كلمات، لعل الواحد منا أن ينتفع بها، قال مرة: إن العلم كثير، يعني من أراد أن يطلب العلم، العلم كثير، ثم قال، ولكن إذا كنت تريد الخير، الخير في العلم والعلم كثير، ولكن انتبه إلى هذه القضية، ولكن إن استطعت أن تلقى الله خفيف الظهر من دماء الناس، خميصاً أو خميص البطن عن أموالهم، كاف اللسان عن أعراضهم، لازماً لجماعتهم، ففعل. خفيف الظهر من دمائهم ما قتلت أحداً، يأت يوم القيامة ويقول: رب سل هذا لم قتلني؟ خفيف الظهر من دماء الناس، خميص البطن من أموالهم ما أكلت شيء من أموال الناس، كاف اللسان عن أعراضهم فيأت يوم القيامة من أغتابه، ونم على هذا، وبهت هذا، أبداً، كاف اللسان عن أعراضهم لازماً لجماعتهم، يعني إن استطعت أن تفعل هذه الأشياء فافعل. الخير في هذا الأمر.  الخير كل الخير في هذا الأمر.

وجاءه رجل فقال له: يا خير الناس، ويا ابن خير الناس، يعني عمر، فقال له ابن عمر: ما أنا بخير الناس. ولا أنا ابن خير الناس، ولكني عبد من عباد الله، لا تبالغ لا تطريني هكذا، قال: إنما أنا عبد من عباد الله أرجو الله وأخافه، والله لن تزالوا بالرجل حتى تهلكوه، يعني هذا المديح الذي يكون في الوجه، يهلك الإنسان لأنه يصيبه بالغرور والعياذ بالله هذا المديح الزائد عن حده يصيب الإنسان بالغرور.

ولذلك مدح رجل رجلاً في وجهه، فقال النبي ﷺ قتل صاحبه، قتله. وجاء في الحديث: أحثوا التراب في وجوه المداحين. ولكن ابن عمر يحذر، يقول: لن تزالوا بالرجل تمدحونه وتمدحونه و تمدحونه حتى تهلكوه بهذا المديح.

وكان من عادته،أنه لا يسال أحدا شيئاً ما يطلب أبدا، ما طلب من أحدِ شيئاً أبداً ولكن إذا جاءه شيء لا يرده.

مصداقاً لأمر النبي ﷺ لما أتى النبي ﷺ خير من البحرين، نادى عمر وأعطاه، قال: خذ يا عمر تمول هذا المال، فقال يا رسول الله إني غير محتاج أعطه لغيري من هو محتاج، فقال: يا عمر إن هذا المال حلوة خضرة، فإذا جاءك من غير مسألة ولا استشراف نفس فخذه وتموله، مالك تصدق بيه، أطعمه أولادك انتفع به، طالما أنه جاءك من غير مسألة أنت ما سألت على المال، ولا جاءك باستشراف نفس، تتمنى أن يأتيك هذا المال، أبداً وإنما جاءك هكذا، فخذه وتموله.

وكان ابن عمر كذلك لا يسأل وفي نفس الوقت إذا جاءه المال لا يرده، وكما ذكرنا قبل قليل أعطي عشرة آلاف درهم وضح بيض، فأخذها أصبح يستدين، يطلب درهماً ليشتري علفاً لدابته، إذن أخذ المال لكن ما أفسد المال عليه حياته أبداً، وإنما أخذه يتصدق به يشتري  عبيداً يعتقهم، يتصدق يعطي الناس وهكذا رضي الله عنه وأرضاه.

جاءوه يطالبونه أن يعلن نفسه خليفة للمسلمين ليبايعوه، قالوا: نريد أن نبايعك خليفة للمسلمين، فأبى، وقال اسمعوا أيها الناس، إن سمعتكم قلتم حيّ على الصلاة، أجبتكم،  وإن سمعتكم قلتم حي على الفلاح أجبتكم، وإذا افترقتم لم أجامعكم، وإذا اجتمعتم لا أفارقكم، بس هذا لكم مني، أما إني أسعى إلى هذه الخلافة والله لا أريدها ، إني أعيش في هذه الدنيا كأني غريب. كذلك هذا ما أوصاه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) .

وقال كذلك لا يكون الرجل من العلم بمكان حتى لا يحمد من فوقه، ولا يحتقر من دونه، ولا يبتغي بالعلم ثمنا.

كما قال النبي ﷺ أن الإنسان في أمر الآخرة ينظر إلى ما فوقه، وفي أمر الدنيا ينظر إلى من هو دونه، ألا يحتقر نعمة الله عليه، سبحانه وتعالى ، فابن عمر هنا رضي الله عنه يقول: يعني  لا يصل الإنسان للعلم ، العلم الحقيقي الذي ينتفع به، يقول لا يصل الإنسان إلى هذا العلم بالمنزلة التي يجب عليه أن يكون عليها، إلا إذا لم يحمد من فوقه، أي في المال، والغنى والتجارة وما شابه ذلك لا يحمده ولا ينظر إليه أصلاً. ولا يحتقر من هو دونه ولا يبتغي بالعلم ثمنا، ما يجعل هذا العلم ثمناً ومطية يصل بها إلى أمور الدنيا.

جلس يوماً ابن عمر ومعه عبد الله بن الزبير ومصعب بن الزبير وعروة بن الزبير، فقام عروة بن الزبير فقال: إني أتمنى أن يؤخذ عني العلم. أي أكون عالماً ومعلماً في الوقت ذاته، يؤخذ عني العلم. فقال مصعب بن الزبير: أما أنا فأتمنى العراق، يعني ولاية العراق، وأن أتزوج سكينة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب. وأن أتزوج عائشة بنت طلحة بن عبيد الله،  فقال عبد الله بن الزبير: وأما أنا فأتمنى الخلافة. وسكت ابن عمر. فقالوا له: وأنت يا أبا عبد الرحمن: ماذا تتمنى؟ قال: أتمنى أن يغفر الله لي.

يقول أبو زياد راوي هذا الأثر، يقول: فانتشر العلم عن عروة، يعني صار عالماً وله تلاميذ وأخذ عنه العلم، وولي مصعب بن الزبير العراق، وتزوج سكينة بنت الحسين وتزوج عائشة بنت طلحة، وولي عبد الله بن الزبير الخلافة، وأسال الله أن يكون قد غفر لابن عمر. يعني كل واحد من هؤلاء الثلاثة جاء ما تمناه في الدنيا، وابن عمر طلب  الآخرة، قال: أتمنى أن يغفر الله لي. نسأل الله تبارك وتعالى أن يكون قد غفر له. جل وعلا ـ.

 

فصل – وفاته :

ظل ابن عمر بعيداً عن الدنيا وأهلها، حتى قُتل عبد الله بن الزبير ـ رضي الله عنه وارضاه قتله الحاج بن يوسف الثقفي ، عندها قام ابن عمر وتكلم في الحجاج كلاماً شديداً، فذكروا أن الحجاج عاده في بيته، يزوره وهو مريض. فقال كيف أنت؟ فقال ابن عمر: صالح. أي زين. وكان قد أصيب برمح في قدمه. رجل وضع الرمح على قدمه دون أن يدري، فأصابه بالرمح، فقال له: كيف أنت؟ قال: صالح. قال: من أصابك؟ من الذي أصابك بالرمح يعني هذا الذي أصابه هرب. قال: من الذي أصابك بالرمح؟ قال: أصابني من أمر بحمل السلاح في يوم لا يحل فيه حمله، يقصد الحجاج نفسه، وهذا الحديث اخرجه البخاري في صحيحه.

وجاء في رواية ذكرها الذهبي في السير أن ابن عمر تكلم في الحاج كلاماً شديداً فأمر الحجاج رجلاً أن يطأ بالرمح على قدم ابن عمر، وكان الرمح  قد سم، يعني وضع في الرمح السم، فجاء برجل وطأ بالرمح  على قدم ابن عمر ، وكان ابن عمر عمي في آخر أمره، فوطأ قدمه  ثم هرب.

فزاره الحجاج وقال له: من قتلك . قال: قتلني من أمر صاحب الرمح أن يطأه في رجلي يعني أنت. يقول له. ثم مات منها عبد الله ابن عمر ـ رضي الله تبارك عنه وعن أبيه وذلك سنة ثلاث وسبعين من الهجرة، عن عمر يناهز السابعة والثامنين، ودفن في مقبرة المهاجرين، هذا هو عبد الله بن عمر بن الخطاب ـ أبو عبد الرحمن القرشي، نسأل الله تبارك وتعالى أن يحشرنا معه في زمرة نبينا محمد صلى الله عيه وآله وسلم.  والله أعلى وأعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

مقالات ذات صلة :