• 10 نيسان 2017
  • 7,307

سلسلة من نحب - الله تعالى – (18) - الحيُّ، القيُّوم :

وهما اسمان وردا في القرآن مقترنين في ثلاثة مواضع، أولها في آية الكرسي {اللَّهُ لاَ إِلَٰهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة: 255]، والثاني في أول سورة آل عمران: {الم (1) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [آل عمران: 1-2ٍ]، والثالث في سورة طه: {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ} [طه: 111].

واسمه تبارك وتعالى: "الحيّ" فيه إثبات الحياة صفةً لله، وهي حياةٌ كاملة ليست مسبوقةً بعدم، ولا يلحقها زوالٌ وفناء، ولا يعتريها نقصٌ وعيب جلَّ ربُّنا وتقدّس عن ذلك، حياة تستلزم كمال صفاته سبحانه من علمه، وسمعه، وبصره، وقدرته، وإرادته، ورحمته، وفعله ما يشاء، إلى غير ذلك من صفات كماله، ومَن هذا شأنُه هو الذي يستحق أن يُعبد ويركع له ويسجد، كما قال الله تعالى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ} [الفرقان: 58]، أمَّا الحيّ الذي يموت، أو الميِّت الذي هو ليس بحي، أو الجماد الذي ليس به حياة أصلا، فكلّ هؤلاء لا يستحقُّون من العبادة شيئاً، إذ المستحقّ لها هو الله الحيُّ الذي لا يموت.

قال الله تعالى: {هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ۗ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [غافر: 65].

وقد كان من دعائه ﷺ: "اللّهمّ لك أسلمتُ، وبك آمنتُ، وعليك توكلتُ، وإليك أنبتُ، وبك خاصمتُ، اللهم إني أعوذ بعزَّتك، لا إله إلَّا أنت أنْ تُضلَّني، أنت الحيُّ الذي لا يموت، والجنُّ والإنس يموتون" متفق عليه(1).

واسمه تبارك وتعالى "القَيُّوم" فيه إثبات القَيُّوميَّة صفةً لله، وهي كونه سبحانه قائماً بنفسه مقيما لخلقه، فهو اسم دالٌّ على أمرين:

الأول: كمالُ غنى الربِّ سبحانه، فهو القائم بنفسه، الغنيُّ عن خلقه، كما قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [فاطر: 15].

وفي الحديث القدسيّ: "إنَّكم لَنْ تَبلُغُوا ضَرِّي فَتضُرُّوني، ولَنْ تبلُغُوا نَفْعي فَتَنْفَعُوني" رواه مسلم(1).

وغناه سبحانه عن خلقه غنىً ذاتيٌّ لا يحتاج إليهم في شيء، غنيٌّ عنهم من كلِّ وجه.

الثّاني: كمال قدرته وتدبيره لهذه المخلوقات، فهو المقيم لها بقدرته سبحانه، وجميع المخلوقات فقيرة إليه، لا غنى لها عنه طرفة عين، فالعرش والكرسي والسموات والأرض، والجبال والأشجار، والناس والحيوان؛ كلها فقيرة إلى الله عز وجل، قال الله تعالى: {أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَىٰ كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ ۗ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ} [الرعد: 33]، وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} [فاطر: 41]، وقال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَن تَقُومَ السَّمَاء وَالأَرْضُ بِأَمْرِهِ} [الروم: 25]، والآيات في هذا المعنى كثيرة.

فهو سبحانه المتصرِّف في جميع المخلوقات، المدبِّر لكل الكائنات.

وممّا تقدَّم يُعلم أنَّ هذين الاسمين "الحيّ القيُّوم" هما الجامعان لمعاني الأسماء الحسنى، وعليهما مدار الأسماء الحسنى، وإليهما ترجع معانيها جميعها؛ إذ جميع صفات البارئ سبحانه راجعة إلى هذين الاسمين.

فالحيُّ: الجامع لصفات الذّات، والقيوم: الجامع لصفات الأفعال، فالصّفات الذّاتية كالسمع والبصر واليد والعلم ونحوها راجعة إلى اسمه "الحي"، وصفات الله الفعلية كالخلق والرزق والإنعام والإحياء والإماتة ونحوها راجعة إلى اسمه القيُّوم؛ لأن من دلالته أنه المقيم لخلقه خَلقاً ورزقاً وإحياءً وإماتةً وتدبيراً، فرجعت الأسماء الحسنى كلُّها إلى هذين الاسمين، ولذا ذهب بعض أهل العلم إلى أنهما اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى.

وقد ورد هذان الاسمان في أكثر الأحاديث التي فيها إشارة إلى الاسم الأعظم.

قال ابن القيِّم رحمه الله: "فإنَّ صفةَ الحياة متضمِّنةٌ لجميع صفات الكمال مستلزمةٌ لها، وصفة القيُّومية متضمنة لجميع صفات الأفعال، ولهذا كان اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى هو اسم الحي القيوم"(2).

وقال رحمه الله: "اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين: آية الكرسي، وفاتحة آل عمران؛ لاشتمالهما على صفة الحياة المتضمّنة(1) لجميع الصفات، وصفة القيومية المتضمنة لجميع الأفعال"(2).

وقد تحدث ابن القيِّم رحمه الله عن عظيم أثر الدعاء بهذين الاسمين، ولا سيما في دفع ما ينتاب الإنسان من كرب أو همٍّ أو شدَّة.

قال رحمه الله: "وفي تأثير قوله: "يا حيُّ يا قيوم برحمتك أستغيث" في دفع هذا الدّاء مناسبة بديعة، فإنّ صفة الحياة متضمنة لجميع صفات الكمال مستلزمة لها، وصفة القيومية متضمنة لجميع صفات الأفعال.

ولهذا كان اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى هو اسم "الحي القيوم"، والحياة التامة تضاد جميع الأسقام والآلام، ولهذا لما كملت حياة أهل الجنَّة لم يلحقهم همٌّ ولا غم ولا حزن ولا شيء من الآفات، ونقصان الحياة تضر بالأفعال، وتنافي القيُّومية، فكمال القيُّومية لكمال الحياة، فالحيّ المطلق التام الحياة لا تفوته صفة الكمال البتة، والقيوم لا يتعذَّر عليه فعل ممكن البتّة، فالتوسل بصفة الحياة والقيُّومية له تأثير في إزالة ما يضاد الحياة ويضر بالأفعال... والمقصود أن لاسم "الحي القيوم" تأثيراً خاصاً في إجابة الدعوات وكشف الكُربات.

وفي "السنن" و"صحيح أبي حاتم"(3) مرفوعا: "اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين" {وَإِلَـهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} [البقرة: 163]، وفاتحة آل عمران: {أَلَم(1) اللّهُ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [آل عمران: 1-2]"، قال الترمذي: حديث صحيح.

وفي "السنن" و"صحيح ابن حبان" أيضا من حديث أنس: أنّ رجلا دعا فقال: اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت المنان، بديع السموات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيُّوم. فقال النبي ﷺ: "لقد دعا الله باسمه الأعظم، الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى"(1)"(2).

ويؤكّد ما قرّره رحمه الله ما رواه الترمذيّ في "جامعه"(3) من حديث أنس ابن مالك رضي الله عنه قال: كان النبيّ ﷺ إذا كرَبه أمْرٌ قال: "يا حيُّ يا قيُّوم برحمتك أستغيث".

وكلُّ ذلك يدلُّ على عظم شأن هذين الاسمين وجلالة قدرهما وما يقتضيانه من الذل والخضوع {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ ۖ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا} [طه: 111].

 

(1) "صحيح البخاري" (رقم: 6948)، و"صحيح مسلم" (رقم: 2717) - واللفظ له - من حديث ابن عباس رضي

(1) في "صحيحه" (رقم: 2577) وهو طرف من حديث أبي ذرٍّ رضي الله عنه.

(2) "زاد المعاد" (4/204).

(1) في الأصل: "المصححة" ويدل على ما أثبته السياق، وكلامه السابق واللاحق.

(2) "الصواعق المرسلة" (3/ 911-912).

(2) "زاد المعاد" (4/ 204-206).

(3) (رقم: 3524) وضعّفه بقوله: "حديث غريب"؛ لأنّ في إسناده يزيد الرَّقاشيّ فهو مع صلاحه وعبادته ضعيف في الحديث.

مقالات ذات صلة :