• 10 نيسان 2017
  • 7,149

سلسلة من نحب - الله تعالى – (16) - الحقُّ، المبين :

أمّا اسمه تبارك وتعالى "الحقّ" فقد ورد في القرآن الكريم في عشرة مواضع، قال تعالى: {فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ} [يونس: 32]، وقال تعالى: {ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} [الحج: 62]، وقال تعالى: {فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} [المؤمنون: 116].

وأمَّا اسمه: "المبين" فقد وَرَد في موضع واحد مقروناً بالحق، قال تعالى: {يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمْ اللَّهُ دِينَهُمْ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ} [النور: 25].

ومعنى "الحق" أي: الذي لا شكَّ فيه ولا ريب، لا في ذاته، ولا في أسمائه وصفاته، ولا في ألوهيته، فهو المعبود بحق ولا معبود بحق سواه، فهو تبارك وتعالى حقّ، وأسماؤه وصفاته حقّ، وأفعاله وأقواله حقّ، ودينه وشرعه حقّ، وأخباره كلها حقّ، ووعده حقّ، ولقاؤه حقّ.

وقد كان النبي ﷺ يستفتح صلاته من الليل بالإقرار بهذه المعاني، كما في حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كان النبي ﷺ إذا قام من الليل يتهجَّد قال: اللهم لك الحمد أنت قيِّم السموات والأرض ومَن فيهنَّ، ولك الحمد لك ملك السموات والأرض ومَن فيهنَّ، ولك الحمد أنت نور السموات والأرض، ولك الحمد أنت ملك السموات والأرض، ولك الحمد أنت الحق، ووعدك الحق، ولقاؤك حقٌّ، وقولك حقٌّ، والجنة حق، والنار حق، والنبيُّون حق، ومحمد ﷺ حق، والساعة حقٌّ، اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت" متفق عليه(1).

ومعنى "المبين" أي: المبين لعباده سبيل الرشاد، الموضح لهم الأعمال الصالحة التي ينالون بها الثواب، والأعمال السيئة التي ينالون عليها العقاب، قال تعالى: {يُرِيدُ اللّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}، وقال تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ}.

ومن معاني "المبين" أي: البين أمره في الوحدانية، فهو الإله الحق المبين لا شريك له.

هذا؛ وقد نوَّع تبارك وتعالى في كتابه الدلائل والبراهين والحجج والبيِّنات على أنه الإله الحق لا شريك له، وأنَّ ألوهيَّة من سواه باطل وضلال، وزيغ وانحلال {ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} [الحج: 62].

وقوله: {ذَٰلِكَ} أي: الذي بُيّن لكم من عظمته وصفاته ما بين {هُوَ الْحَقُّ} هو المعبود بحق، ولا معبود بحق سواه، الكامل في ذاته وأسمائه وصفاته، ودينه حق، ورسله حق، ووعده حق، ووعيده حق، ولقاؤه وعبادته حق.

وقوله: {وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ} أي: الذي هو باطل في نفسه، وعبادته باطلة من الأصنام والأنداد، ومن الحيوانات والجمادات؛ لأنها كلها مضمحلة زائلة، لا تملك لنفسها ضرّاً ولا نفعاً ولا موتاً ولا حياةً ولا نشوراً، فضلاً عن أن تملك شيئاً من ذلك لغيرها، ولولا إيجاد الله لها وإمداده لها لما بقيت، فعبادة مَن هذا شأنه أبطل الباطل، وأضل الضلال.

ومن أنواع الدلائل والحجج التي ذكر الله في القرآن لبيان أنه المعبود بحق ولا معبود بحق سواه ما يلي:

1- تفرُّدُه تبارك وتعالى بالربوبية لا شريك له، فهو الخالق وحده، الرازق واحده، المنعم وحده، المتصرِّف في هذا الكون وحده لا شريك له في شيء من ذلك، فهو الرب الحق لا شريك له.

ومن لوازم معرفته بذلك والإقرار له به أن يُفرَد بالعبادة، وأن يخص وحده بالخضوع والطاعة، قال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّـهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللَّـهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ﴿٦١﴾ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّـهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّـهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ﴿٦٢﴾ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّـهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّـهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ ﴿٦٣﴾ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنَّ اللَّـهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ﴿٦٤﴾ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّـهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَن تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّـهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ ﴿٦٥﴾ وَهُوَ الَّذِي أَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الْإِنسَانَ لَكَفُورٌ} [الحج: 61-66]، وقال تعالى: {قُل مَن يَرزُقُكُم مِنَ السَّماءِ وَالأَرضِ أَمَّن يَملِكُ السَّمعَ وَالأَبصارَ وَمَن يُخرِجُ الحَيَّ مِنَ المَيِّتِ وَيُخرِجُ المَيِّتَ مِنَ الحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمرَ فَسَيَقولونَ اللَّـهُ فَقُل أَفَلا تَتَّقونَ﴿٣١﴾ فَذلِكُمُ اللَّـهُ رَبُّكُمُ الحَقُّ فَماذا بَعدَ الحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ فَأَنّى تُصرَفونَ} [يونس: 31-32].

2- ذكرُه سبحانه لأسمائه الحسنى، وصفاته العلى الدالَّة على كماله وجلاله وعظمته، وأنّه المستحق للعبادة وحده دون سواه، ومن الأمثلة على ذلك آية الكرسي التي أخلصت لبيان التوحيد وتقريره، حيث ذُكر فيها من أسماء الله الحسنى خمسةُ أسماء، وذكر من صفاته العظيمة ما يزيد على العشرين صفة.

3- ذكره تبارك وتعالى لتعدد نعمه على العباد وتوالي مننه، وفي سورة النحل - التي يسمِّيها بعض أهل العلم "سورة النعم" لكثرة ما عدّ فيها سبحانه من النعم على العباد - أكبر شاهد على أنه المعبود بحق، ولذا ختم هذه النعم بقوله: {كَذلِكَ يُتِمُّ نِعمَتَهُ عَلَيكُم لَعَلَّكُم تُسلِمونَ ﴿٨١﴾ فَإِن تَوَلَّوا فَإِنَّما عَلَيكَ البَلاغُ المُبينُ ﴿٨٢﴾ يَعرِفونَ نِعمَتَ اللَّـهِ ثُمَّ يُنكِرونَها وَأَكثَرُهُمُ الكافِرونَ} [النحل: 81-83].

4- ذكره سبحانه لإجابته المضطرين وكشفه كربات المكروبين، ولا يقدر على ذلك أحدٌ سواه، قال تعالى: { أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ} [النمل: 62].

5- إخباره عن نفسه بأنه النافع الضار، المعطي المانع، وأنَّ مَن سواه لا يملك شيئاً من ذلك لنفسه ولا لغيره، قال تعالى: {قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّـهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّـهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ} [الزمر: 38].

6- إخباره سبحانه عن دقة صنعه للمخلوقات، وبديع إيجاده للكائنات، قال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ۚ ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ ۖ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [غافر: 64].

7- إخباره عن حقارة الأوثان وعجزها، وأنها لا تملك شيئاً، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ ﴿٧٣﴾ مَا قَدَرُوا اللَّـهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّـهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج: 73-74].

إلى غير ذلك من الدلائل البيِّنات، والحجج الواضحات، التي سيقت في القرآن الكريم مبينة أن الله عز وجل هو الإله الحق المبين، وأن ألوهيَّة من سواه كفر وطغيان، وضلال وبهتان.

****

 

(1) البخاري (رقم: 1069)، ومسلم (رقم: 769).

 

مقالات ذات صلة :