• 21 نيسان 2017
  • 2,677

سلسلة من نحب - الله تعالى – (23) المؤمن، الصّادق :

وقد ورد اسم الله "المؤمن" في آيةٍ واحدة، هي قوله تعالى: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الحشر: 23].

والإيمان يرجع معناه إلى التّصديق والإقرار، وما يقتضيه ذلك من الإرشاد وتصديق الصادقين، وإقامة البراهين على صدقهم، فهو تعالى المؤمن الذي هو كما أثنى على نفسه، وفوق ما يثني عليه عباده، ولهذا قال مجاهد رحمه الله: "المؤمن: الذي وحد نفسه بقوله: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ} [آل عمران: 18]".

وهي شهادة عظيمة كريمة من أعظم شاهد، وهو الله رب العالمين؛ لأعظم مشهود به، وهو توحيد الله، وإخلاص الدين له.

ومن هذا المعنى ما رواه الترمذي وابن ماجه وغيرهما عن أبي إسحاق، عن الأغر أبي مسلم، أنه شهد على أبي هريرة وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهما، أنهما شهدا على رسول الله ﷺ أنه قال: "إذا قال العبد: لا إله إلَّا الله، والله أكبر، قال: يقول الله تبارك وتعالى: صدق عبدي، لا إله إلا أنا، وأنا أكبر، وإذا قال: لا إله إلَّا الله وحده، قال: صدق عبدي، لا إله إلَّا أنا وحدي، وإذا قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، قال: صدق عبدي لا إله إلا أنا لا شريك لي، وإذا قال: لا إله إلَّا الله له الملك وله الحمد، قال: صدق عبدي، لا إله إلّا أنا لي الملك ولي الحمد، وإذا قال: لا إله إلَّا الله ولا حول ولا قوة إلَّا بالله، قال: صدق عبدي لا إله إلَّا أنا ولا حول ولا قوة إلَّا بي"(1).

قال أبو إسحاق: ثم قال الأغر شيئاً لم أفهمه، قلت لأبي جعفر: ما قال؟ قال: "من رزقهنَّ عند موته لم تمسّه النار".

الصحيحة" (رقم: 1391).

فهذه شهادة عظيمة من الله لنفسه بوحدانيته، وتصديق للشّاهدين بذلك من عباده، وهذا التصديق من الله لعباده الشّاهدين له بالتوحيد، وكذلك تأييده لهم بالحجة والبرهان، كلّه من دلائل اسمه "المؤمن".

قال ابن القيِّم رحمه الله: "من أسمائه المؤمن، وهو في أحد التفسيرين: المصدِّق، الذي يصدق الصادقين بما يقيم لهم من شواهد صدقهم، فهو الذي صدق رسله وأنبياءه فيما بلغوا عنه، وشهد لهم بأنهم صادقون بالدلائل التي دلَّ بها على صدقهم قضاء وخلقا، فإنه سبحانه أخبر - وخبره الصدق، وقوله الحق - أنه لا بد أن يري العباد من الآيات الأفقية والنفسية ما يبين لهم أن الوحي الذي بلغت رسله حقّ، فقال تعالى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} [فصلت: 53]، أي: القرآن؛ فإنه هو المتقدم في قوله: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُم بِهِ} [فصلت: 52]، ثم قال: {أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [فصلت: 53]، فشهد سبحانه لرسوله بقوله أن ما جاء به حق، ووعده أن يري العباد من آياته الفعلية الخلقية ما يشهد بذلك أيضا، ثم ذكر ما هو أعظم من ذلك وأجل وهو شهادته سبحانه على كل شيء"(1).

وهذا معنى قول قتادة رحمه الله: "المؤمن آمن لقوله أنه حقٌّ"(2).

كما أنّ من دلائل اسمه "المؤمن" تأمين الخائف، وذلك بإعطائه الأمان وهو ضد الإخافة، قال الله تعالى: {الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ (4)} [قريش: 4]، وقال تعالى: {وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا} [النور: 55].

قال ابن عباس رضي الله عنهما: "المؤمن: أي: أمَّن خلقه من أن يظلمهم"(3).

فكل خائف يصدق في لجوئه إلى الله يجده سبحانه مؤمِّنا له من الخوف، فأمنُ العباد وأمنُ البلاد بيده سبحانه.

وبما تقدّم يعلم أن اسم الله "المؤمن" يدل على معان عظيمة وأمور جليلة، يمكن تلخيص أهمها في النقاط التالية:

فمن دلائل اسمه "المؤمن" شهادته سبحانه لنفسه بالتوحيد، وهي أعظم شهادة، ومن أعظم شاهد، لأعظم مشهود به.

ومنها تصديقه سبحانه للشاهدين له بالتوحيد، والشهادة لهم بأن ما قالوه حق وصدق.

ومنها تصديقه لأنبيائه بالحجج والبيِّنات بأن ما قالوه وبلغوه عن الله حق لا ريب فيه، وصدق لا امتراء فيه.

ومنها أنه يصدق عباده ما وعدهم من النصر والتمكين، قال تعالى: {ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ فَأَنجَيْنَاهُمْ وَمَن نَّشَاء} [الأنبياء: 9]، وقال تعالى: {وَعَدَ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55)} [النور: 55].

ومنها أنه يؤمن عباده المؤمنين وأولياءه المتقين من عذابه وعقابه، قال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ} [الأنعام: 82]، وقال تعالى: {أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [فصلت: 40]، وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [الأحقاف: 13].

ومنها أنه ينجزهم ما وعدهم من الفوز العظيم ودخول جنّات النّعيم، قال تعالى: {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ ۖ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [الزمر: 74].

ومنها تأمينه سبحانه الخائفين بإعطائهم الأمان وهو ضدّ الإخافة، كما قال سبحانه: {الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ} [قريش: 4].

وأمّا اسم الله "الصّادق" فقد ورد في آية واحدة من كتاب الله عزّ وجلّ، وهي قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذينَ هادوا حَرَّمنا كُلَّ ذي ظُفُرٍ وَمِنَ البَقَرِ وَالغَنَمِ حَرَّمنا عَلَيهِم شُحومَهُما إِلّا ما حَمَلَت ظُهورُهُما أَوِ الحَوايا أَو مَا اختَلَطَ بِعَظمٍ ذلِكَ جَزَيناهُم بِبَغيِهِم وَإِنّا لَصادِقونَ} [الأنعام: 146].

أي الصّادق في وعده ووعيده، وفي كلّ ما يخبر به، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "فلا ريب أنّ الله تعالى وعد المطيعين بأن يثيبهم، ووعد السّائلين بأن يجيبهم، وهو الصّادق الذي لا يخلف الميعاد، قال الله تعالى: {وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا ۚ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا} [النساء: 122]"(1).

ومن آثار الإيمان بهذا الاسم أنّ المحسن لا يخاف لديه سبحانه ظلماً ولا هضماً، ولا يخاف بخساً ولا رهقاً، أو أن يضيع له مثقال ذرّة؛ لأنّ الله عزّ وجلّ وعد - وهو الصّادق - بتوفيته العاملين أجورهم، وإن كان مثقال ذرّة جازاه بها ولا يضيعها عليه بل يضاعف لمن يشاء ويؤتي من لدنه أجراً عظيماً، وأمّا المسيء فيجازيه بسيئة مثلها، ويحطّها عنه بالتوبة والنّدم والاستغفار والحسنات والمصائب. قال تعالى: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ} [الأحقاف: 16].

****

 

(1) "جامع الترمذي" (رقم: 3430)، و"سنن ابن ماجه" (رقم: 3794). وحسنه الترمذي. وانظر: "السلسلة

(1) "مدارج السالكين" (3/ 485).

(2) رواه ابن جرير الطبري في "تفسيره" (22/ 552).

(3) ذكره ابن كثير في "تفسيره" (8/ 105).

(1) "مجموع الفتاوى" (1/ 218).

مقالات ذات صلة :