أمّا "الكريم" فقد ورد في ثلاثة مواضع، قال تعالى: {وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ۖ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ} [النمل: 40]، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} [الانفطار: 6]، وقال تعالى: {فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} [المؤمنون: 116]، على قراءة من قرأ برفع "الكريم" على أنه صفة للربّ.
وأما "الأكرم" فقد ورد في موضع واحد، وهو قوله تعالى: {اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ} [العلق:3].
و"الكريم": هو الكثير الخير العظيم النفع، وهو مِن كلِّ شيء أحسنُه وأفضلُه، والله سبحانه وصف نفسه بالكرم كما في الآيات المتقدمة.
ووصف كلامه بالكرم كما في قوله تعالى: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ} [الواقعة: 77]، أي: كثير الخير غزير العلم، فكلّ خير وعلم إنما يستفاد من القرآن.
ووصف عرشه بذلك كما في قوله: {فَتَعَالَى اللَّه الْمَلِك الْحَقّ لَا إِلَه إِلَّا هُوَ رَبّ الْعَرْش الْكَرِيم} [المؤمنون: 116]، على قراءة مَن قرأ بالكسر على أنه صفة للعرش، أي: حسن المنظر بهيّ الشكل.
ووصف بذلك ثوابَه العظيم ونعيمه المقيم الذي أعده لعباده المؤمنين، قال تعالى: {لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} [الأنفال: 4]، وقال تعالى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا} [النساء: 31]، والمدخل الكريم هو الطيب الحسن السالم من الآفات والعاهات ومن الهموم والأحزان ومن المنغصات والمكدرات.
ووصف بذلك ما كثر خيره وحسن منظره من النبات وغيره كما في قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْض كَمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلّ زَوْج كَرِيم} [الشعراء: 7].
ولفظ "الكرم" لفظ جامع للمحاسن والمحامد، لا يراد به مجرد الإعطاء، بل الإعطاء من تمام معناه، ولذا ورد عن أهل العلم في معنى هذا الاسم أقوال عديدةٌ، فقيل: معناه: أي: كثير الخير والعطاء، وقيل: الدّائم بالخير، وقيل: الذي له قدر عظيم وشأن كبير، وقيل: أي: المنزَّه عن النقائص والآفات، وقيل: معناه: المكرم المنعم المتفضل، وقيل: الذي يعطي لا لعوض، وقيل: الذي يعطي لغير سبب، وقيل: الذي يعطي من يحتاج ومن لا يحتاج، وقيل: الذي إذا وعد وفّى، وقيل: الذي ترفع إليه كل حاجة صغيرة أو كبيرة، وقيل: الذي لا يضيع من التجأ إليه، وقيل في معناه: الذي يتجاوز عن الذنوب ويغفر السيئات، إلى غير ذلك مما قيل في معنى هذا الاسم العظيم، وكل ذلك حقّ، لأن هذا الاسم من الأسماء الحسنى الدّالة على معانٍ عديدة لا على معنى مفرد، وإذا اعتبرت جميع ما قيل في معنى هذا الاسم علمت أن الذي وجب لله تعالى من ذلك لا يحصى من جلائل المعاني وكرائم الأوصاف.
فإذا قلنا: الكريم: هو الكثير الخير والعطاء؛ فمن أكثر خيرا من الله؛ لعموم قدرته وسعة عطائه، بل الخير كله في يديه.
وإذا قلنا: إنه الدائم بالخير؛ فذلك بالحقيقة لله وحده، فإن كل شيء ينقطع إلا الله وإحسانه، فإنه دائم متَّصل في الدنيا والآخرة.
وإذا قلنا: إن الكريم هو الذي له قدر عظيم وشأن كبير؛ فالله جل وعلا لا يقدر قدره ولا يدرك العباد كنه صفاته وكمال نعوته.
وإذا قلنا: إن الكريم هو المنزّه عن النقائص والآفات فهو الله وحده بالحقيقة القدوس السلام، الذي لا يلحق النقصُ شيئاً من صفاته، المنزه عن النقائص والعيوب.
وإذا قلنا: إن الكريم معناه المكرم المنعم المتفضل؛ فمن المكرم المنعم المتفضل إلا الله وحده، الذي بيده مقاليد السموات والأرض، وخزائن كل شيء، والفضل كله بيده، يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم، ومن لم يكرمه الله فمن الذي يكرمه {وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} [الحج: 18].
وإذا قلنا: معناه: الذي يعطي لا لعوض؛ فليس كذلك إلا الله وحده، فالخلق خلقه، والملك ملكه، والعطاء عطاؤه، ولا يبلغ العباد نفعه بشيء، فهو الغني الحميد.
وإذا قلنا: معناه: الذي يعطي لغير سبب فهو الله وحده المتفضل بالنوال من غير سؤال، بدأ الخلق بالنعم، وأوسع عليهم العطاء تفضُّلاً منه وكَرماً.
وإذا قلنا: معناه الذي يعطي من يحتاج ومن لا يحتاج؛ فهو الله وحده يعطي المحتاج حاجته ويزيده إنعاماً منه وتفضّلاً.
وإذا قلنا: معناه الذي إذا وعى وفى؛ فإن كل من يعد يمكن أن يفي ويمكن أن يقطعه عذر، ويحول بينه وبين الوفاء أمر، والباري صادق الوعد لعموم قدرته وعظيم ملكه، لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع.
وإذا قلنا: معناه الذي ترفع إليه كل حاجة صغيرة وكبيرة فهو الله وحده {يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمن: 29].
وإذا قلنا: معناه أي: الذي لا يضيع من التجأ إليه؛ فهو الله وحده القائل عن نفسه: {إِنَّا لَا نُضِيع أَجْر مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا} [الكهف: 30]، والقائل: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60].
وإذا قلنا: معناه الذي يتجاوز عن الذنوب ويغفر السيئات؛ فهو الله وحده، وهو من كرمه سبحانه لا يتعاظمه ذنب أن يغفره، فمن كرمه أنه هو الذي جاد وتفضل بالتوبة على التائب، ومن كرمه تفضله سبحانه بقبولها مهما عظم الذنب وكبر الجرم، ومن كرمه أنه يبدل سيئات التائبين حسنات، ومن كرمه سبحانه أنه يفرح بتوبة التائبين وإنابة المنيبين، ومن كرمه سبحانه أنه يستحيي من عبده إذا مد يديه إليه سائلا متذللا أن يردهما صفراً خائبتين(1).
وأعظم أسباب نيل كرامة الكريم سبحانه تقواه جل وعلا في السر والعلن، فالأكرم عنده سبحانه الأتقى له من عباده، كما قال تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13].
جعلنا الله من عباده المتقين، ومن أوليائه المكرمين، إنه سميع مجيب.
(1) انظر: "الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى" للقرطبي (1/ 33-39).