• 6 حزيران 2017
  • 3,906

سلسلة من نحب - الله تعالى - (26) المُهيْمِن، المُحيط، المُقِيت، الواسع :

أمَّا "المهيمن" فقد ورد في موضع واحد وهو قوله تعالى: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23)} [الحشر: 23].

ومعنى "المهيمن" أي: المطَّلع على خفايا الأمور، وخبايا الصدور، الذي أحاط بكل شيء علماً، الشاهد على الخلق بأعمالهم، الرقيب عليهم فيما يصدر منهم من قول أو فعل، لا يغيب عنه من أفعالهم شيء، ولا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء.

وأما "المحيط" فقد ورد في عدَّة مواضع، قال تعالى: {وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطًا} [النساء: 126]، وقال تعالى: {إِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} [آل عمران: 120]، وقال تعالى: {وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ} [البقرة: 19].

وهو اسم دال على إحاطة الله بكلِّ شيء علما وقدرةً وقهراً، كما قال تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ} [الإسراء: 60]، وقال تعالى: { لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا} [الطلاق: 12]، وقال تعالى: {وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَىٰ كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً} [الجن: 28].

وإحاطته سبحانه بالمخلوقات إحاطة علم، فلا يعزب عنه من خلقه مثقال ذرة، وإحاطة قدرة فلا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، وإحاطة قهر فلا يقدرون على فوته أو الفرار منه، قال تعالى: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا ۚ لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ} [الرحمن: 33]، أي: لا تستطيعون هرباً من أمر الله وقدره لأنه محيط بكل شيء علماً وقدرةً وقهراً.

وأمَّا "المقيت" فقد ورد في موضع واحد، وهو قوله تعالى: {مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا ۖ وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا} [النساء: 85]، قيل في معناه: الذي أوصل إلى كل الموجودات ما به تقتات، وأوصل إليها أرزاقها، وصرّفها كيف يشاء بحكمته وحمده، أي: أنه سبحانه هو الذي ينزل الأقوات للخلق ويقسم أرزاقهم صغيرهم وكبيرهم، غنيّهم وفقيرهم، قويهم وضعيفهم، قال تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [هود: 6]، وكل هذه الأرزاق والأقوات قدرها سبحانه عند خلقه للأرض، قال تعالى: {وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِّلسَّائِلِينَ} [فصلت: 10]، أي: قدر فيها ما يحتاجه أهلها من الأرزاق والأماكن التي تزرع وتغرس وما يصلح لمعاشهم من التجارات والأشجار والمنافع.

وذكر في معنى "المقيت" معانٍ أخرى، قال ابن كثير رحمه الله: "وقوله: {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً} [النساء: 85]، قال ابن عباس وعطاء وعطية وقتادة ومطر الوراق: {مُقِيتاً} أي: حفيظاً، وقال مجاهد: شهيداً، وفي رواية عنه: حسيباً، وقال سعيد بن جبير والسدِّي وابن زيد: قديراً، وقال عبد الله بن كثير: المقيت: الواصب، وقال الضّحاك: المقيت: الرزّاق"(1).

ولا يمنع أن يكون هذا الاسم متناولاً لجميع هذه المعاني، بأن يكون معناه: الذي أحاط علما بالعباد وأحوالهم، وما يحتاجون إليه، وأحاط بهم قدرة، فهو على كل شيء قدير، وتولى حفظهم ورزقهم وإمدادهم، الذي يقيت الأبدان بالأطعمة والأرزاق، ويقيت قلوب من شاء من عباده بالعلم والإيمان، كما قيل:

فقوت الروح أرواح المعاني          وليس بأن طعمت وأن شربتا

وأما "الواسع" فقد تكرّر في عدة مواضع من القرآن، قال تعالى: {وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 247]، وقال تعالى: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 115].

ومعناه: الواسع الصّفات والنّعوت، ومتعلقاتها، بحيث لا يحصي أحدٌ ثناءً عليه، بل هو كما أثنى على نفسه، واسع العظمة والسّلطان والملك، واسع الفضل والإحسان، عظيم الجود والكرم.

قال تعالى في بيان سعة علمه: {وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ} [الأنعام: 180]، وقال تعالى: {إِنَّمَا إِلَٰهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا} [طه: 98].

وقال تعالى في بيان سعة رحمته: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [الأعراف: 156]، وقال تعالى: {رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا} [غافر: 7]، وقال تعالى: {فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ} [الأنعام: 147]، وقال تعالى في بيان سعة رزقه: {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا} [النساء: 130]، وقال تعالى: {قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [آل عمران: 73]، وقال تعالى: {إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيم} [النور: 32].

وقال تعالى في بيان سعة مغفرته: {وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 268]، وقال تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ} [النجم: 32]، وقال تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: 53]، وقال تعالى في بيان سعة ثوابه: {مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 261].

ومن شواهد اسمه "الواسع" أنه سبحانه وسَّع على عباده في دينهم فلم يكلفهم ما ليس في وسعهم، قال تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286]، وقال تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ اليُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ} [البقرة: 185]، وقال تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا} [النساء: 28].

فلله الحمد على ما منّ ويسَّر حمداً كثيراً طيِّباً مباركاً فيه، كما يحب ربُّنا ويرضى.

 

(1) "تفسير ابن كثير" (2/ 324). وينظر: "تفسير الطبري" (7/ 272).

مقالات ذات صلة :