• 2 تشرين الثاني 2017
  • 5,741

سلسلة من نحب - الله تعالى - (30) العليم :

وقد ورد هذا الاسم في القرآن الكريم في أكثر من مائة وخمسين موضعاً، قال تعالى: {يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ} [الروم: 54]، وقال تعالى: {وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا} [النساء: 70]، وقال تعالى: {ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} [يس: 38]، وقال تعالى: {إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 181].

أي: الذي أحاط علمه بالظواهر والبواطن والإسرار والإعلان، وبالعالم العلوي والسفلي، بالماضي والحاضر والمستقبل، فلا يخفى عليه شيء من الأشياء، علم ما كان وما سيكون، وما لم يكن أن لو كان كيف يكون، أحاط بكل شيء علما، وأحصى كل شيء عدداً.

وقد جاء في القرآن الكريم بيان واسع عن علم الله عز وجل، وأنه وسع كل شيء، وأنه سبحانه أحاط بكل شيء علماً .

فذكر سبحانه سعة علمه في آيات، قال تعالى: {وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ} [الأنعام: 80]، وقال تعالى: {رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا} [غافر: 7]، وقال تعالى: {إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا} [طه: 98].

وذكر سبحانه إحاطة علمه بكل شيء، قال تعالى: {إِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} [آل عمران: 120]، وقال تعالى: {إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} [هود: 92]، وقال تعالى: {وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا} [النساء: 108]، وقال تعالى: {وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطًا} [النساء: 126].

وذكر تبارك وتعالى إحاطة علمه بالسّرائر والمعلنات والغيب والشّهادة، قال تعالى: {رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ ۗ وَمَا يَخْفَىٰ عَلَى اللَّهِ مِن شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ} [إبراهيم: 38]، وقال تعالى: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [غافر: 19].

وقال تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ ۖ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16)} [ق: 16]، وقال تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ} [البقرة: 235]، وقال تعالى: {أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ} [البقرة: 77]، وقال تعالى: {وَاَللَّه يَعْلَم مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ} [النحل: 19]، وقال تعالى: {أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلامُ الْغُيُوبِ} [التوبة: 78]، وقال تعالى: {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} [طه: 110]، وقال تعالى: {وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [التوبة: 105].

وذكر سبحانه علمه بما في السموات والأرض، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [الحجرات: 18]، وقال تعالى: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الحجرات: 16].

وذكر سبحانه اختصاصه بمفاتح الغيب فلا يعلمها إلَّا هو، قال تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ ۚ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۚ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [الأنعام: 59]، وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ ۖ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا ۖ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [لقمان: 34]، وقال تعالى: {اللَّـهُ يَعلَمُ ما تَحمِلُ كُلُّ أُنثى وَما تَغيضُ الأَرحامُ وَما تَزدادُ وَكُلُّ شَيءٍ عِندَهُ بِمِقدارٍ ﴿٨﴾ عالِمُ الغَيبِ وَالشَّهادَةِ الكَبيرُ المُتَعالِ} [الرعد: 8-9].

وللإيمان بهذا الاسم العظيم آثار مباركة على العبد، بل هو أكبر زاجر وأعظم واعظ.

قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله: "أجمع العلماء على أنه أكبر واعظ وأعظم زاجر نزل من السماء إلى الأرض، وضربوا لذلك مثلا - ولله المثل الأعلى - قالوا: لو فرض أن هذا البراح من الأرض فيه ملِك قتال للرجال إن انتهكت حرماته، ذو قوة وعزة ومنعة، وحوله جيوشه، وحول هذا الملك بناته يقوم بريبة، ولو قيل لأهل بلد: إنَّ أمير ذلك البلد يبيت عالما بكل ما يفعلونه في الليل من الخسائس لباتوا متأدبين.

وهذا خالق السموات والأرض، الملك الجبار، يخبرهم في آيات كتابه، لا تكاد تقلب ورقة واحدة من أوراق المصحف الكريم إلا وجدت فيها هذا الواعظ الأكبر والزاجر الأعظم {بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}، {وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}، {يَعْلَم مَا تُسِرُّونَ} [النحل: 19]، {وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا} [الأنعام: 59]، {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ} [ق: 16]، {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ} [البقرة: 235]، {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ} [يونس: 61].

فينبغي علينا جميعا أن نعتبر بهذا الزّاجر الأكبر، والواعظ الأعظم، وأن لا ننساه لئلا نهلك أنفسنا"(1).

قال ابن رجب رحمه الله: "أكره رجل امرأة على نفسها، وأمرها بغلق الأبواب، فقال لها: هل بقي باب لم يُغلق؟ قالت: نعم؛ الباب الذي بيننا وبين الله، فلم يتعرَّض لها، ورأى بعضُهم رجلاً يكلِّم امرأةً فقال: إنَّ الله يراكما سترنا الله وإيَّاكما"(2).

قال الله تعالى: {يَعْلَمُ خَآئِنَة الأعين وَمَا تُخْفِى الصُّدُورُ} [غافر: 19]، فمن تأمَّل هذا وتدبره كان له فيه أعظم زاجر وأكبر رادع.

قال ابن كثير رحمه الله في معنى الآية: "يخبر تعالى عن علمه التّام المحيط بجميع الأشياء، جليلها وحقيرها، صغيرها وكبيرها، دقيقها ولطيفها، ليحذر الناس علمه فيهم، فيستحيوا من الله حق الحياء، ويتَّقوه حق تقواه، ويراقبوه مراقبة من يعلم أنه يراه، فإنه تعالى يعلم العين الخائنة وإن أبدت أمانة، ويعلم ما تنطوي عليه خبايا الصّدور من الضمائر والسّرائر"(3).

وكثيراً ما يأتي اسم الله "العليم" في سياق الأعمال وجزائها، ليوقظ القلوب وينبه العباد على أهمية إكمالها وإصلاحها، وليرغبهم ويرهبهم، والله وحده الموفق لا رب سواه، ولا إله غيره.

****

(2) "شرح كلمة الإخلاص" (ص / 49).

 

(1) "العذب النمير" (1 / 333-334) بتصرف.

(3) "تفسير ابن كثير" (7 / 127).

 
 

مقالات ذات صلة :