أمَّا اسمه تبارك "الأحد" فقد ورد في موضع واحد من القرآن في سورة الإخلاص: {قُلْ هُوَ اللَّـهُ أَحَدٌ ﴿١﴾ اللَّـهُ الصَّمَدُ ﴿٢﴾ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ﴿٣﴾ وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص]، وهي السورة العظيمة التي ورد في السنَّة عن النبي ﷺ أنها تعدل ثلث القرآن لكونها أخلصت لبيان أسماء الرب الحسنى وصفاته العظيمة العليا، وأما اسمه الواحد فقد تكرر مجيئه في مواضع من القرآن منها قوله تعالى: {وَإِلَـهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} [البقرة: 163]، وقوله تعالى: {أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} [يوسف: 39]، وقوله تعالى: {وَمَا مِنْ إِلَٰهٍ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} [ص: 65]، وقوله تعالى: {قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} [الرعد: 16].
وهما اسمان دالَّان على أحدية الله ووحدانيته، أي أنه سبحانه هو المتفرد بصفات المجد والجلال، المتوحد بنعوت العظمة والكبرياء والجمال، فهو واحد في ذاته لا شبيه له، وواحد في صفاته لا مثيل له، وواحد في أفعاله لا شريك له ولا ظهير، وواحد في ألوهيته فليس له ند في المحبة والتعظيم والذل والخضوع، وهو الواحد الذي عظمت صفاته حتى تفرد بكل كمال، وتعذر على جميع الخلق أن يحيطوا بشيء من صفاته أو يدركوا شيئا من نعوته، فضلا عن أن يماثله أحد في شيء منها.
وقد كان تكرّر ورود اسم الله الواحد في القرآن الكريم في مقامات متعددة في سياق تقرير التوحيد وإبطال الشرك والتنديد.
فقال سبحانه في تقرير الوحدانية ووجوب إخلاص الدين له: {وَإِلَـهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ}، وقال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا مُنذِرٌ ۖ وَمَا مِنْ إِلَٰهٍ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ}، وقال تعالى: {إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ ﴿4﴾ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ} [الصافات: 4-5]، وقال سبحانه في بيان أن هذه الوحدانية هي خلاصة دعوة الرسل وزبدة رسالتهم: {قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [الأنبياء: 108]، وقال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ} [فصلت: 6].
وقال تعالى في سياق الدعوة إلى الإسلام لله والاستسلام لعظمته والخضوع لجنابه: {فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ} [الحج: 34]، وقال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [الأنبياء: 108]، وقال تعالى: {وَإِلَٰهُنَا وَإِلَٰهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [العنكبوت: 46]، وقال تعالى في تنزيه نفسه عما أدعِيَ في حقِّه مِن اتخاذ الولد وأنه ثالث ثلاثة تنزَّه وتقدَّس عن ذلك فقال: {لَّوْ أَرَادَ اللَّهُ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا لَّاصْطَفَىٰ مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۚ سُبْحَانَهُ ۖ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} [الزمر: 4]، وقال تعالى: {وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ ۚ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ ۚ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ} [النساء: 171]، وقال تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلا إِلَهٌ وَاحِدٌ} [المائدة: 73]، وقال تعالى في إبطال عقائد المشركين: {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُلْ لا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ} [الأنعام: 19]، وقال تعالى: {وَقَالَ اللّهُ لاَ تَتَّخِذُواْ إِلـهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلهٌ وَاحِدٌ فَإيَّايَ فَارْهَبُونِ} [النحل: 51]، وقال تعالى: {أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} [يوسف: 39]، وقال تعالى في مقام بيان عظمته وكمال ملكه وخضوع الخلائق له يوم القيامة: {يَوْمَ هُم بَارِزُونَ لا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} [غافر: 16]، وقال تعالى: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ ۖ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} [إبراهيم: 48].
هذا وقد أفاد هذان الاسمان: "الواحد" "الأحد" توحُّدَ الربِّ سبحانه بجميع الكمالات بحيث لا يشاركه فيها مشارك، وأنّ الواجب على العباد توحيده عقداً وقولاً وعملاً، بأن يعترفوا بكماله المطلق، وتفرده بالوحدانية ويفردوه بأنواع العبادة، ويمكن تلخيص دلالات هذين الاسمين في النقاط التالية :
1- نفي المثل والند والكفؤ من جميع الوجوه، فهو تبارك وتعالى الأحد الذي لا مثيل له ولا نظير، قال تعالى: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً} [مريم: 65]، وقال تعالى: {وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص]، وقال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى: 11].
2- بطلان التّكييف، وهو خوض الإنسان بعقله القاصر محاولاً معرفة كيفية صفات الرَّب سبحانه وهذا محال، لأنَّ الرَّبَّ سبحانه متوحّد بصفات الكمال متفرد بنعوت العظمة والجلال فلا يشركه فيها مشارك وليس له فيها شبيه أو مثيل، فأنى للعقول أن تعرف كنه صفاته سبحانه، بل كل ما يخطر بالبال من الكمال فالله أعظم من ذلك وأجلّ.
3- إثبات جميع صفات الكمال بحيث لا يفوته منها صفة ولا نعت دال على الجلال والجمال لتفرده جل وعز بالكمال المطلق الذي لا نقص فيه بوجه من الوجوه.
4- أنَّ له من كلِّ صفة من تلك الصفات أعظمها وغايتها ومنتهاها {وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهَى} [النجم: 42]، فله من السمع أكمله ومن البصر أكمله ومن كل صفة أكمل وصف وأتمه كما قال سبحانه: {وَلِلَّـهِ المَثَلُ الأَعلى} [النحل: 60].
5- تنزيهه سبحانه عن النقائص والعيوب إذ هي تلحق أوصاف المخلوقين، أما الأحد سبحانه فقد تفرد بالكمال والعظمة والجلال بلا شبيه ولا مثال، ولهذا قال تعالى في تنزيه نفسه عن الولد: {سُبْحَانه هُوَ اللَّه الْوَاحِد الْقَهَّار} [الزمر: 4].
6- وجوب الإقرار بتفرده سبحانه بالكمال المطلق في ذاته وصفاته وأفعاله واعتقاد ذلك في القلب، وهذا هو التوحيد العلمي.
7- وجوب إفراده سبحانه وحده بالعبادة وإخلاص الدين له، وأنَّ تفرده سبحانه وحده بالخلق والزرق والعطاء والمنع والخفض والرفع والإحياء والإماتة يوجب أن يفرد وحده بالعبادة، وهذا هو التوحيد العملي.
8- الردّ على المشركين وجميع صنوف المبطلين ممن لم يقدروا الله حق قدره، ولم يقروا له بتفرده وكماله فاتخذوا معه الشركاء وضربوا له الأمثال وظنوا به ظن السوء وانتقصوا جناب الربوبية وناقضوا مقصود الخلق وهو التوحيدُ وإفرادُ الله بالذل والخضوع وسائر أنواع العبودية فاشمأزت قلبوهم من التوحيد، ونفرت نفوسهم من الحق والهدى، قال تعالى: { وَإِذَا ذُكِرَ اللَّه وَحْده اِشْمَأَزَّتْ قُلُوب الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونه إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} [الزمر: 45]، وقال تعالى: {وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْاْ عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُوراً} [الإسراء: 46]، وقال تعالى: {ذَٰلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ ۖ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا ۚ فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ} [غافر: 12].
رَزَقنا الله تحقيق توحيده، وحسن الإيمان بتفرده ووحدانيته؛ إنه سميعٌ مجيب.
****