وهو اسم ورد في القرآن الكريم مرة واحدة في قول الله تعالى: {هُوَ اللَّـهُ الَّذِي لَا إِلَـهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّـهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الحشر:23].
ومعنى هذا الاسم الكريم أي: السلام من جميع العيوب والنقائص، لكماله في ذاته وصفاته وأفعاله، فهو جل وعلا السلام الحق بكل اعتبار، سلامٌ في ذاته عن كل عيب ونقص يتخيَّله وهم، وسلام في صفاته من كل عيب ونقص، وسلام في أفعاله من كل عيب ونقص وشر وظلم وفعل واقع على غير وجه الحكمة، وهو سبحانه السلام من الصاحبة والولد، والسلام من النظير والكفء والسميّ والمماثل، والسلام من الند والشريك.
وهو اسم يتناول جميع صفات الله تعالى، فكل صفةٍ من صفاته جل وعلا سلام من كل عيب ونقص، وفي تفصيل هذا وتقريره يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: "ولذلك إذا نظرت إلى أفراد صفات كماله وجدت كل صفةٍ سلاماً مما يضاد كمالها، فحياته سلام من الموت ومن السِّنَة والنوم، وكذلك قيوميَّته وقدرته سلام من التعب واللّغوب، وعلمه سلام من عزوب شيء عنه أو عروض نسيان أو حاجة إلى تذكر وتفكر، وإرادته سلامٌ من خروجها عن الحكمة والمصلحة، وكلماته سلام من الكذب والظلم، بل تمت كلماته صدقا وعدلا، وغناه سلام من الحاجة إلى غيره بوجه ما، بل كل ما سواه محتاج إليه، وهو غنيّ عن كل ما سواه، وملكه سلام من منازع فيه أو مشارك أو معاونٍ مظاهر أو شافع عنده بدون إذنه، وإلهيته سلام من مشارك له فيها، بل هو الله الذي لا إله إلاّ هو.
وحلمه وعفوه وصفحه ومغفرته وتجاوزه سلام من أن تكون عن حاجة منه أو ذلٍّ أو مصانعةٍ كما يكون من غيره، بل هو محض جوده وإحسانه وكرمه، وكذلك عذابه وانتقامه وشدة بطشه وسرعة عقابه سلام من أن يكون ظلما أو تشفيّاً أو غلظة أو قسوة، بل هو محض حكمته وعدله ووضعه الأشياء مواضعها، وهو مما يستحق عليه الحمد والثناء كما يستحقه على إحسانه وثوابه ونعمه، بل لو وضع الثواب موضع العقوبة لكان مناقضاً لحكمته ولعزته، فوضعه العقوبة موضعها هو من حمده وحكمته وعزته، فهو سلام مما يتوهم أعداؤه والجاهلون به من خلاف حكمته.
وقضاؤه وقدره سلامٌ من العَبث والجَوْر والظلم ومِنْ تَوَهُّمِ وُقوعِه على خلاف الحكمة البالغة
وشرعه ودينُه سلام من التناقض والاختلاف والاضطراب وخلاف مصلحة العباد ورحمتهم والإحسان إليهم وخلاف حكمته، بل شرعه كله حكمة ورحمة ومصلحة وعدل.
وكذلك عطاؤه سلام من كونه معاوضة أو لحاجة إلى المعطَى، ومنعه سلام من البخل وخوف الإملاق، بل عطاؤه إحسان محض لا لمعاوضة ولا لحاجة، ومنعه عدل محض وحكمة لا يشوبه بخل ولا عجز.
واستواؤُه وعلوُه على عرشه سلام من أن يكون محتاجا إلى ما يحمله أو يستوي عليه، بل العرش محتاج إليه، وحملته محتاجون إليه، فهو الغني عن العرش وعن حملته وعن كل ما سواه، فهو استواءٌ وعلوٌّ لا يشوبه حصرٌ ولا حاجةٌ إلى عرش ولا غيره ولا إحاطة شيء به سبحانه وتعالى، بل كان سبحانه ولا عرش ولم يكن به حاجة إليه وهو الغني الحميد، بل استواؤه على عرشه واستيلاؤه على خلقه من موجبات ملكه وقهره من غير حاجة إلى عرش ولا غيره بوجه ما.
ونزوله كل ليلة إلى سماء الدّنيا سلامٌ مما يضادُّ علوَّه، وسلام مما يضادّ غناه وكماله، وسلام من كل ما يتوهّم معطل ومشبه، وسلام من أن يصير تحت شيءٍ أو محصوراً في شيء تعالى الله ربنا عن كل ما يضاد كماله وغناه.
وسمعه وبصره سلام من كل ما يتخيله مشبه أو يتقوَّله معطل، وموالاته لأوليائه سلام من أن تكون عن ذل كما يوالي المخلوقُ المخلوقَ، بل هي موالاة رحمة وخير وإحسان وبر، كما قال: {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ} [الإسراء: 111]، فلم ينفِ أن يكون له وليٌّ مطلقاً، بل نفى أن يكون له وليٌّ من الذل.
وكذلك محبته لمحبِّيه وأوليائه سلامٌ من عوارض محبة المخلوق للمخلوق من كونها محبةَ حاجةٍ إليه أو تملق له أو انتفاع بقربه، وسلام مما يتقوَّله المعطلون فيها، وكذلك ما أضافه إلى نفسه من اليد والوجه فإنه سلام عما يتخيَّله مشبِّه أو يتقوَّله معطّل".
ثم ختم رحمه الله تعالى هذا التقرير الوافي بقوله: "فتأمَّل كيف تضمن اسمه "السَّلام" كل ما نُزِّه عنه تبارك وتعالى، وكم ممن حفظ هذا الاسم لا يدري ما تضمنه من هذه الأسرار والمعاني"(1).
ومن دلائل هذا الاسم أنه تبارك وتعالى ذو السلام، أي: المسلِّم على عباده، فهو المسلِّم على رسله وأنبيائه عليهم صلاة الله وسلامه؛ لإيمانهم وكمال عبوديتهم وقيامهم بالبلاغ المبين، قال تعالى: {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى} [النمل: 59]، وقال تعالى: {سَلَام عَلَى نُوح فِي الْعَالَمِينَ} [الصافات: 79]، وقال تعالى: {سَلَامٌ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ} [الصافات: 109]، وقال تعالى: {سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ} [الصافات: 120]، وقال تعالى: {سَلامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ} [الصافات: 130]، والمسلم على عباده وأوليائه في جنات النّعيم، قال تعالى: {تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ ۚ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا} [الأحزاب: 144]، وقال تعالى: {خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ ۖ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ} [إبراهيم: 23]، وقال تعالى: {سَلَامٌ قَوْلاً مِن رَّبٍّ رَّحِيمٍ} [يس: 58].
وجعل تبارك وتعالى جنته دار السّلام لعباده من الموت والأسقام والأحزان والآلام والهموم وغير ذلك من الآفات، قال تعالى: {لَهُمْ دَار السَّلَام عِنْد رَبّهمْ} [الأنعام: 127]، وقال تعالى: {وَاَللَّه يَدْعُو إِلَى دَار السَّلَام} [يونس: 25].
وجعل تبارك وتعالى إفشاء هذا الاسم في الدّنيا سبباً لدخول دار السلام في الآخرة، قال ﷺ "لا تدخلوا الجنّة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابُّوا، أوَلَا أدلُّكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم"(2).
****
(1) "بدائع الفوائد" (2/ 135-137).
(2) رواه مسلم (رقم: 54) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.