• 4 آذار 2018
  • 3,947

الحِلم

معنى الحلم لغة:

الحِلْمُ بالكسر الأَناةُ والعقل وجمعه أَحْلام وحُلُومٌ (1)

والحِلْم خلافُ الطَّيش. يقال حَلُمْتُ عنه أحلُم، فأنا حليمٌ. (2)

معنى الحلم اصطلاحاً :

الحلم: ضبط النفس والطبع عن هيجان الغضب، وجمعه أحلام .(3)

وردتْ آيات قرآنية كثيرة تشير إلى صفة الحلم، ووصف الله نفسه بالحلم، وسمى نفسه الحليم، ووردت آيات تدعو المسلمين إلى التحلي بهذا الخلق النبيل، وعدم المعاملة بالمثل ومقابلة الإساءة بالإساءة، والحث على الدفع بالتي

هي أحسن، والترغيب في الصفح عن الأذى والعفو عن الإساءة.

قال تعالى: (( وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ )) [آل عمران: 133 - 134]،

قال ابن كثير في تفسير قوله تعالى:" وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ "  [آل عمران: 134] (أي: لا يعملون غضبهم في الناس، بل يكفون عنهم شرهم، ويحتسبون ذلك عند الله عز وجل ، ثم قال تعالى: " وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ "[آل عمران: 134] أي : مع كف الشر يعفون عمن ظلمهم في أنفسهم، فلا يبقى في أنفسهم مَوجدة على أحد، وهذا أكمل الأحوال، ولهذا قال: وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ فهذا من مقامات الإحسان) (4).

ووصف الله عز وجل بعضَ أنبيائه بالحلم؛ قال تعالى:(( فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ )) [الصافات:101] .

و في قوله تعالى (( إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ )) [التوبة:114] .

و أما عن قدوتنا و أسوتنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد دعانا الى التخلق بهذا الخلق في كثير من الأحاديث:

-فعن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((إنما العلم بالتعلم، وإنما الحلم بالتحلم، من يتحرى الخير يعطه، ومن يتق الشر يوقه)). (5)

- وعنه أيضاً ((قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ليس الشّديد بالصّرعة، إنّما الشّديد الّذي يملك نفسه عند الغضب)) . (6)

- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ليليني منكم أولو الأحلام والنهى .. )) . (7)

(أي ذوو الألباب والعقول واحدها حلم بالكسر فكأنه من الحلم الأناة والتثبت في الأمور، وذلك من شعائر العقلاء، وواحد النُّهى نُهية بالضم سمي العقل بذلك؛ لأنه ينهى صاحبه عن القبيح) (8).

قال عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- (ليس الخير أن يكثر مالك وولدك، ولكنّ الخير أن يكثر علمك ويعظم حلمك، وأن لا تباهي النّاس بعبادة الله، وإذا أحسنت حمدت الله تعالى، وإذا أسأت استغفرت الله تعالى) (9).

وقال- رضي الله عنه- أيضا : (إنّ أوّل ما عوّض الحليم من حلمه أنّ النّاس كلّهم أعوانه على الجاهل) (10).

وقال معاوية بن أبي سفيان- رضي الله عنهما - : (لا يبلغ العبد مبلغ الرّأي حتّى يغلب حلمه جهله، وصبره شهوته، ولا يبلغ ذلك إلّا بقوّة الحلم) (11)

بعض فوائد و آثار خلق الحِلم :

1 - الحليم يفوز برضى الله وثوابه

قال النبي صلى الله عليه وسلم ((من كظم غيظًا وهو قادر على أن يُنْفِذَهْ، دعاه الله -عز وجل على رءوس الخلائق يوم القيامة، يخيره من الحور العين ما شاء)) (12)

2 - أنها دليل كمال العقل وسعة الصّدر، وامتلاك النّفس

3 - أن أوّل عِوَض الحَليم عن حِلْمه أن الناسَ أنصارُه على الجاهل (13)

ظهر في هذه الحقبة من الزمان من الأمراض الخطيرة، والعلل الوبيلة التي لم تظهر في أسلافنا الصالحين.

ومن الأدوية التي تهدأ النفس، وتريح القلب الحلم والتحالم.

فكم من بيت خرب بسبب الغضب. وكم من امرأة طلقت بسبب غضب زوجها. وكم من رجل شل بسبب الغضب. وكم من أولاد قد شردوا بسبب الغضب.

لذا تبدو أهمية التداوي بالحلم والتحالم واضحة كوضوح الشمس وصفة الحلم قبل أن تكون دواء فهي صفة يحبها الله عز وجل .

و ها هي بعض الأسباب التي تعين على التخلق بصفة الحلم :

1 - تذكر كثرة حلم الله على العبد، فالله سبحانه وتعالى حليم، يرى معصية العاصي ومخالفته لأمره فيمهله قال تعالى وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ [البقرة: 235]

2 - تذكر الثواب من الله للعافين عن الناس ، قال تعالى: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [آل عمران: 133 - 134]

3 - الترفّع عن المعاملة السيئة بالمثل، وهذا يدل على شرف النفس، وعلو الهمة .

4 - الاستهانة بالمسيء لا عن كبر وإعجاب بالنفس، إنما هو نأي عن منافس لا يساويك قدراً .

5 - قطع السباب والخصام .

**************************************

(1) ((لسان العرب)) لابن منظور (12/ 145)

(2) ((معجم مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/ 93)

(3) ((مفردات ألفاظ القرآن)) للراغب (ص253).

(4) ((تفسير ابن كثير)) (2/ 122).

(5) رواه الطبراني في ((الأوسط)) (3/ 118)، وأبو نعيم في ((حلية الأولياء)) (5/ 174)، والبيهقي في ((الشعب)) (13/ 236) من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه.

(6) رواه البخاري (6114)، ومسلم (2609) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(7) رواه مسلم (432) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.

(8) ((حاشية السيوطي والسندي على سنن النسائي)) (2/ 423).

(9) رواه أبو نعيم في ((الحلية)) (1/ 75)، والبيهقي في ((الزهد الكبير)) (276) موقوفًا على علي رضي الله عنه.

(10) ذكره أبو حامد الغزالي في ((إحياء علوم الدين)) (3/ 178).

(11) ((الحلم)) لابن أبي الدنيا (25 - 26).

(12) رواه أبو داود (4777)، وابن ماجه (4186)، وأحمد (3/ 440) (15675) من حديث معاذ بن أنس رضي الله عنه.

(13) هذا القول ينسب لعلي رضي الله عنه. انظر ((العقد الفريد)) (1/ 182)

مقالات ذات صلة :