• 30 تموز 2016
  • 2,709

سورة الإخلاص - معلومات شيقة :

 

قال الله تعالى :

((قُل هُو اللّهُ أحدٌ (1) اللّهُ الصّمدُ (2) لم يلد ولم يُولد (3) ولم يكُن لهُ كُفُوًا أحدٌ (4)) سورة الإخلاص

 

سورة الإخلاص سورة مكية، آياتها أربع آيات نزلت بعد سورة الناس.

وتشتمل هذه السورة على أهم أركان الإسلام التي قامت عليها رسالة النبي صلى الله عليه وسلم وهذه الأركان ثلاثة:

الأول: توحيد الله وتنزيهه.

والثاني: بيان الأحكام الشرعية في العبادات والمعاملات.

والثالث: أحوال النفس بعد الموت، وملاقاة الجزاء من ثواب وعقاب، وصفة اليوم الاخر وما فيه من بعث، وحشر، وحساب، وجزاء، وصراط، وميزان، وجنة، ونار.

وأول هذه الأركان هو التوحيد والتنزيه لإخراج العرب وغيرهم من الشرك والتشبيه، ولهذا ورد في الحديث أن هذه السورة تعدل ثلث القرآن، لاشتمالها على التوحيد وهو أصل أصول الإسلام.

وفي كتب التفسير: أن هذه السورة نزلت جوابا للمشركين حينما سألوا رسول الله (ص) ، أن يصف لهم ربّه، ويبيّن لهم نسبه، فوصفه لهم ونزّهه عن النسب، إذ نفى عنه أن يكون والدا، أو مولودا، أو يكون له شبيه، ومثيل.

***************

 

اللّهُ أحدٌ (1) :

(الله) علم: دالّ على الذات العليّة دلالة مطلقة، تجمع معاني أسمائه الحسنى كلّها، وما تصوّره من التقديس، والتمجيد، والتعظيم، والربوبية، والجلال، والكمال.

أحدٌ : صفة تقرّر وحدانية الله من كل الوجود، فهو واحد في ذاته، وفي صفاته، وفي أفعاله، وفي عبادته أمّا أحديّته أو وحدانيّته في ذاته، فمعناها أنّه يستقل بوجوده عن وجود الكائنات والمخلوقات فوجودها حادث بعد عدم، وهي محتاجة إلى علّة توجدها، وتظل قائمة عليها، حافظة وجودها، طوال ما كتب لها من بقاء. أما وجود الله سبحانه، فوجود أزلي، وجود لذاته، ومنه انبثق كل الوجود، إنّه واجب الوجود الذي لا أوّل لوجوده، ولا آخر، والفرد الذي لا تركيب في ذاته.

اللّهُ أحدٌ : فلا إله سواه، ولا شريك معه وكانوا قد عبدوا آلهة متعدّدة مثل الشمس، والقمر، واللّات، والعزّى، ومناة، ونسر.

وكان منهم من اتّخذ إلهين: إلها للنور وإلها للظلمة، ومن قال إن الله ثالث ثلاثة من الالهة. أعلن القرآن الكريم النكير على من اتخذ إلها غير الله تعالى، وقرر القرآن أنه سبحانه، لا شريك له، ولا مثيل : (( إنّ اللّه لا يغفرُ أن يُشرك به ويغفرُ ما دُون ذلك لمن يشاءُ ومن يُشرك باللّه فقد ضلّ ضلالًا بعيداً (116) [النساء] .

ووحدانيّة الصّفات تعني تنزيه الله سبحانه فيها عن صفات المخلوقين من البشر، وغير البشر فهو جلّ جلاله، متفرّد بصفاته تفرده بذاته ((ليس كمثله شيءٌ)) [الشورى 11] ، لا في الذات ولا في الصفات. وقد تعدّدت صفات الله في القرآن، ولأنها ذاتية دعاها أسماء، إذ يقول جلّ شأنه: ((وللّه الأسماءُ الحُسنى )) [الأعراف: 180] .

ويقول: (( هُو اللّهُ الخالقُ البارئُ المُصوّرُ لهُ الأسماءُ الحُسنى))  [الحشر:24] . وهذه الصفات، منها ما يصوّر عظمة الله وجلاله مثل: العظيم، المتعال، الحميد، المجيد، القدّوس، ذي الجلال والإكرام.

ومنها ما يصوّر خلق الكون وصنع الوجود مثل: البارئ، المصوّر، الخالق، البديع.

ومنها ما يصوّر القدرة الإلهية مثل: القوي، القادر، القهّار، المهيمن.

ومنها ما يصوّر العلم الرباني مثل: العليم الحكيم، الخبير.

ومنها ما يصوّر رحمة الله بعباده مثل: الرؤوف، الرحمن، الرحيم ... إلى غير ذلك من صفات قد تلتقي بصفات البشر، ولكنّها تختلف عنها في الجنس والنوع، هي وكل ما يتّصل بالذات الإلهية.

ووحدانيّة الله في أفعاله: هي التفرّد في خلق الكون، والقيام عليه، وتدبير نظامه المحكم، بقوانين ماثلة في جميع الأشياء، يقول الحق سبحانه: (( أفلم ينظُرُوا إلى السّماء فوقهُم كيف بنيناها وزيّنّاها وما لها من فُرُوجٍ (6) والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كُلّ زوجٍ بهيجٍ (7) تبصرةً وذكرى لكُلّ عبدٍ مُنيبٍ (8) ونزّلنا من السّماء ماءً مُباركاً فأنبتنا به جنّاتٍ وحبّ الحصيد (9) والنّخل باسقاتٍ لها طلعٌ نضيدٌ (10) رزقاً للعباد وأحيينا به بلدةً ميتاً كذلك الخُرُوجُ  (11)) [ق] .

وهذا الكون العظيم، بنظامه البديع، وناموسه الرائع، يدلّ دلالة واضحة على وحدانية الله، وتفرّده بالألوهية.

قال تعالى: (( لو كان فيهما آلهةٌ إلّا اللّهُ لفسدتا )) [الأنبياء: 22] . وقال سبحانه: (( ما اتّخذ اللّهُ من ولدٍ وما كان معهُ من إلهٍ إذاً لذهب كُلُّ إلهٍ بما خلق ولعلا بعضُهُم على بعضٍ سُبحان اللّه عمّا يصفُون)) [المؤمنون : 91] .

ومضمون هذه الآيات، أنه لو تعددت الالهة في الكون، لفسد نظام السماوات والأرض، ولاختلّ تماسكها القائم على وحدة نظام، ووحدة تسيير وبما أن الكون، لم يفقد نظامه، ولا تماسكه، فدل ذلك على نفي تعدّد الالهة، وثبتت وحدانية الحقّ، سبحانه: قُل هُو اللّهُ أحدٌ .

***************

اللّهُ الصّمدُ (2) :

(الصمد) : المقصود في الحوائج وحده، فهو الملاذ، وهو الملجأ، وهو المستعان، وهو المستغاث، ولا حول ولا طول لسواه، إنّه الخالق، الصانع، الحافظ، الوهّاب، النافع، الضارّ كلّ شيء بيده جلّت قدرته، وفي قبضته يعطي، ويمنع يبسط ويقبض يثيب ويعاقب وكل شيء في الكون متّجه إليه، يتلقّى منه الوجود إنه المحيي المميت، الذي يهب كل حي حياته وكلّ حيّ بل كلّ كائن، ينقاد إليه شاعرا بضعفه وعجزه وأنه محتاج إلى برّه وتفقّده له فهو الكالئ، الحافظ، بالليل والنهار، وعلى مر الزمان. وهو الراعي المربّي الذي يفتقر إليه كل شيء في الوجود، وينقاد بأزمّته. وفي ذلك يقول جل ذكره: ((وللّه يسجُدُ ما في السّماوات وما في الأرض من دابّةٍ والملائكةُ وهُم لا يستكبرُون (49) يخافُون ربّهُم من فوقهم ويفعلُون ما يُؤمرُون (50) )[النحل] .

***************

لم يلد ولم يُولد (3) :

لم يلد : لم يتخذ ولداً .

ولم يُولد : ليس له والد يكنى به.

والقرآن بهذا ينزّه الله العلي العظيم، عن شبهه بالآدميين الفانين، الذين يوجدون بعد عدم، ويعيشون وينجبون الولد والأولاد، ثم تشتعل رؤوسهم شيبا، ويبلغون من الكبر عتيّا، ثمّ يموتون. وبذلك يكون الإنسان والدا ومولودا في آن واحد. أما الله سبحانه، فتعالى علوّا كبيرا، عن أن يلد أو يولد، فهو منزّه عن مجانسة الآدميين، في اتخاذ الصاحبة، أو الزوجة، واتّخاذ الأولاد. قال تعالى: (( بديعُ السّماوات والأرض أنّى يكُونُ لهُ ولدٌ ولم تكُن لهُ صاحبةٌ وخلق كُلّ شيءٍ وهُو بكُلّ شيءٍ عليمٌ (101) ذلكُمُ اللّهُ ربُّكُم لا إله إلّا هُو خالقُ كُلّ شيءٍ فاعبُدُوهُ وهُو على كُلّ شيءٍ وكيلٌ (102) لا تُدركُهُ الأبصارُ وهُو يُدركُ الأبصار وهُو اللّطيفُ الخبيرُ (103)) [الأنعام] .

 

***************

ولم يكُن لهُ كُفُواً أحدٌ (4) :

الكفو (أو الكفؤ) معناه المكافئ، والمماثل في العمل والقدرة، وهو نفي لما يعتقده بعض المبطلين، من أنّ لله ندّا في أفعاله يعاكسه في أعماله، على نحو ما يعتقده بعض الوثنيين في الشيطان مثلاً، فقد نفى سبحانه بهذه السورة، جميع أنواع الشرك، وقرّر جميع أصول التوحيد والتنزيه.

وقد جعل الله سبحانه الآية الأخيرة خاتمة للآيات قبلها، فبعد أن قرر جلّ وعلا وحدانيته، وعظيم سلطانه، وأنّه ملاذ الكون ومخلوقاته، وأنّه منزه عن مشابهة الإنسان، ومماثلته لتفرّده بقدمه وأزليّته، قال في صيغة عامّة إنّه ليس له مثيل، ولا نظير من الخلق، في أيّ صفة، ولا في أيّ فعل، ولا في أيّ شيء من الأشياء .

 

((قُل هُو اللّهُ أحدٌ (1) اللّهُ الصّمدُ (2) لم يلد ولم يُولد (3) ولم يكُن لهُ كُفُوًا أحدٌ (4)) صدق الله العظيم .

 

مقالات ذات صلة :